هل الغسل يجزئ عن الوضوء، وحكم مس الذكر
أن من أغتسل شُرِعت له الصلاةُ، لذلك؛ لا يجب عليه - على الراجح - أن ينويَ الوضوء مع الغسل
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته أذا كان الرجل يغتسل غسل الجنابة على صفة غسل الرسول صلى الله عليه وسلم (الوضوء ثم الرأس ثم التعميم ثم القدمين) و أحدث(كبير كان أو صغير) حال الغسل هل يجب علية الوضوء بعد الغسل و كذلك مس الذكر ؟ أفيدوني بارك الله فيكم.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد دلَّ الكتاب والسنة والمعقول علَىَ الوضوء يندرج تحت الغسل، بمعتى أن المُحْدِثَ حدثًا أكبر إنما يَجِبُ عليه الاغتسالُ فقط؛ قال - تعالى -: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، فالله تعالى في هذه الآية الكريمة لم يأمر المحدث حدثًا أكبر إلا بالغسل فقط؛ فدلت على أن الغسل يجزء عن الوضوء.
وأن من أغتسل شُرِعت له الصلاةُ، لذلك؛ لا يجب عليه - على الراجح - أن ينويَ الوضوء مع الغسل؛ وهذا هو ما عناه جماهيرُ أهل العلم من أن الوضوء يندرج تحت غسل الجنابة؛ فتدبره؛ فإنه يجلي لك المسألة، ويُثْبِت أن ليس كلُّ غسل آخر مستحبٍّ يندرج تحته الغسلُ، أو يُجزِئُ عنه.
أما السنة، فقد روى أحمد والترمذي وانسائي عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل".
وكذلك الله تعالى لم يأمر الجنب الذي لم يجد الماء إلا بتيمم واحد يصلي به.
قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى (21/ 396، 397):
"وهو - سبحانه - أمرنا بالطهارتين؛ الصغرى، والكبرى، وبالتيمم عن كل منهما، فقال: {إِذَاقُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا}[المائدة: 6]، فأمر بالوضوء، ثم قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، فأمر بالتطهُّر من الجنابة؛ كما قال في المحيض: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222]، وقال في سورة النساء: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]؛ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَّطَهُّرَ هُوَ الِاغْتِسَالُ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا الِاغْتِسَالُ، وَأَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ الصَّلَاةَ. وَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؛ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
وَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد: أَنَّ عَلَيْهِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْوُضُوءِ، وَلَا تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد، وَقِيلَ: لَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ إلَّا بِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَد.
وَالْقُرْآنُ يَقْتَضِي أَنَّ الِاغْتِسَالَ كَافٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ آخَرُ، بَلْ صَارَ الْأَصْغَرُ جُزْءًا مِنْ الْأَكْبَرِ؛ كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأَصْغَرِ جُزْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الْأَكْبَرِ؛ فَإِنَّ الْأَكْبَرَ يَتَضَمَّنُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَاَللَّوَاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَهُ: ((اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ - بِمَاءِ وَسِدْرٍ، وَابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا، وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا))، فَجَعَلَ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جُزْءًا مِنْ الْغُسْلِ لَكِنَّهُ يُقَدَّمُ كَمَا تُقَدَّمُ الْمَيَامِنُ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ نَقَلُوا صِفَةَ غُسْلِهِ كَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ {أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شَعْرِهِ ثُمَّ عَلَى سَائِرِ بَدَنِهِ} وَلَا يَقْصِدُ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ؛ فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ لَا يَغْسِلَانِ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ، وَلَا يَنْوِيَانِ وُضُوءًا بَلْ يَتَطَهَّرَانِ وَيَغْتَسِلَانِ؛ كَمَا أَمَرَ اللهُ - تَعَالَى - وَقَوْلُهُ: {فَاطَّهَّرُوا}: أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَيْضِ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، أَرَادَ بِهِ الِاغْتِسَالَ؛ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ؛ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَد، وَأَنَّ مَنْ قَالَ: هُوَ غَسْلُ الْفَرْجِ - كَمَا قَالَهُ دَاوُد - فَهُوَ ضَعِيفٌ". اهـ.
أما مس الذكر فقد اخْتَلفَت فيه الأئمة، فمنهم من ناقض للوضوء مُطْلَقًا، وهم الجمهور من المالكية - في المشهور - والشافعية والحنابلة - في الصحيح من المذهب - وإسحاق، وابن حزم، وأكثر أهل العلم واحتجوا بحديث بُسْرَةَ بنت صفوان: (من مَسَّ ذَكَرَهُ فليَتَوَضَّأ)، ورجحوه على حديث طَلْقِ بْنِ عَلِىٍّ مِن وُجُوه:
منها:كونه أَصَحَّ وأرجَح مِنه؛ لكثرة مَنْ صَحَّحَه من الأئمة، ولكثرة شواهده.
ومنها: كون بُسرة حدثت به في المدينة، والمهاجرون والأنصار مُتَوَافِرُون، ولم يدفعه منهم أحد.
ومنها: أنه ناسِخٌ لحديث طَلْقِ بْنِ عَلِىٍّ؛ لأن إسلامَ بُسْرَةَ مُتَأَخِّر عن إسلامِ طَلْق.
ومنها: أنَّ حديث طَلْقِ مُوافِق لما كَانَ الأَمْرُ عليه قبل ورود حديث بُسْرَةَ من البَرَاءَةِ الأَصلية، وحديث بُسْرَةَ نَاقِل عَنها.
ورَجَّحَ البعض عَدَم النَّقضِ مُطْلَقًا، وهو قول الحنفية، ورَبِيعة، والثَّوْرِيِّ، وابنِ المُنْذِر والرواية الثانية عن أحمد؛ واحتَجُّوا بِحَدِيث طَلْق بن عليِّ - رضي الله عنه - قال: (قال رَجُلٌ: مَسَستُ ذَكَرِي. أو قال: الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ في الصَّلاةِ؛ أَعَلَيْه الوضوء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا، إنما هو بضعةٌ منك)؛ أخرجه الخمسةُ، وإسنَادُهُ صحيح.
وذَهَبَ بعض العلماء للجمع بين الحديثين المتعارضين فقالوا: إن مَسَّ الفَرْج يُستَحَب له الوضوء، وهو رواية عند المالكية، ورواية عن أحمد، كما في "الإنصاف" للمرداوي، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى، وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يَنْقُضُ لغير شهوة.
وقالوا: حيث إن الحديثين صحيحان؛ فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، مادام الجَمْعُ مُمْكِنًا؛ فالأمر بالوضوء في حديث بُسْرَةَ مَصْروف من الوجوب إلى الاستحباب، بدليل حديث طَلْق.
وأجابوا عمن قال بالترجيح: بِأنَّنَا لا نلجأ إلى التَّرجِيح إلا بعد تَعَذُّرِ الجَمعِ، أَمَّا مَعَ إِمكان الجَمْعِ؛ فلا نَرجِع إلى التَّرجِيحِ؛ لأن الجَمع مُقَدَّم على التَّرجِيح؛ والقاعدة الأصولية "أن الإعمال أولى من الإهمال"؛ لأن في الجَمْعِ إعمالٌ للدليلَينِ، وهذا القول هو والراجح في المسألة،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: