عاقبة أكل الحرام
تزوجت منذ عشر سنوات وعلاقتي بأهل زوجتي سيئة جدا وهي لها اختان الأكبر منها سننا تركت بيت زوجها وأولادها وتغيبت عن المنزل لعدة أشهر بحجة انها تريد الطلاق وعادت عند تم طلاقها ومر ستة أشهر وجاء دور الأصغر من زوجتي سننا فعلت نفس ما حدث وتركت بيت زوجها وأولادها مع العلم سفر الزوج بدولة اخرى ووجدنها في نفس يوم خروجها من المنزل مع عشيقها وعندما سألت زوجتي هناك خطأ ما قالت لي هذا من الأكل الحرام الذي كان يطعمنا أيها أبي ماذا فعلنا نحن الراجل الثلاثة المتزوجون من بنات هذا الرجل حتي يحدث معانا ذلك ماذا أفعل انا وانا عندي من الأولاد اربعه
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالذي يظهر أنه لا يخفى عليك أن استقرار الحياة الزوجية واستمرارها، من أهم غايات دينَنا الإسلامي الحنيف؛ فالشارع الحكيم أحاط الرابطة الزوجية بكل الضمانات التي تَكفُل دوامها وثباتها.
ومن يتأمل رسالتك يلحظ أنك لم تذكر عن زوجتك ما يستدعي لهدم البيت، وإنما ذكرت أفعال أخواتها، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال نبي الله يوسف عليه السلام: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} [يوسف: 79]، فاحمد الله على العافية مما أبتلي به غيرك.
ثم إن إخبار زوجتك بكسب أبيها يدل على رجاحة عقلها وعدم مكابرتها، وأنها منكرة عليه الكسب الحرام، فواصل الحوار الهادئ معها، فالحياة الزوجية تقوم تنمو وتقوى بالحوار والتفاهم والتقارب بين الزوجين، وهو من حسن العشرة، وغالبًا ما يثمر المودة والرحمة التي كفلها الله للزوجين، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَة} [الروم:21].
وتذكر أن الحياة الزوجية لا تثبت وتستقر إلا بخلق العفو والمسامحة، وتنازل كلا الطرفين عن بعض الحقوق، ومقابلة السيئة بالعفو والصفح واحتساب الأجر عند الله تعالى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر؛ كما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو.
والحاصل أنه يجب عليك الحرص على صلابة أسرتك، وتغليب مصلحة الأبناء، ولتكثر من الدعاء بصلاح ذات بينكما، وتحرَّ أوقات الإجابة، وكلما نازعَتْك نفسُك وتملمَلَتْ تذكَّر الأجر الذي يتفضل الله به عليك، وتذكَّرِ الغاية الكبرى من صبرك؛ أعنى تغليب مصلحة الأبناء، وضَعْ دائمًا نصب عينَيْك قولَه تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34 - 35].
أما قولك ماذا فعلنا حتى يحدث معنا ذلك، فهذا مما قدره الله عليكم، والواجب عليكم الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ كما قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23]، قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
والله سبحانه أمرنا أن نصبر على المصائب المقدرة، ونستغفر من الذنب؛ قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]، يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ كما قال عبدالله بن عباس.
وفي الصحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصابته المصائب أن ينظر إلى القدر، ولا يتحسر على الماضي، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ فالنظر إلى القدر عند المصائب يريح النفس.
فالاطمئنان إلى رحمة الله وعدله وإلى حكمته وعلمه، هو وحده الملاذ الأمين، كما صحّ عن الرسول الكريم قوله: "مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ"، ومن يدري فلعل وراء المكروه خيراً، ووراء المحبوب شراً؛ إن العليم بالغايات البعيدة، المطلع على العواقب المستورة، هو الذي يعلم وحده حيث لا يعلم الناس شيئاً من الحقيقة؛ ومن ثمّ قال سبحانه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
هذا؛والله أعلم.
- المصدر: