هل كل الصحابة لم يسجدوا للأصنام إلا عمر بن الخطاب

منذ 2019-03-18
السؤال:

السلام عليكم هل كل الصحابة لم يسجدوا الأصنام عدا عمر بن الخطاب

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

 فهذا النفي العام غير معلوم من كتابة ولا سنة ولا قول صحابي أو أحد من أئمة الإسلام المتبعين، بل إن من قرأ سيرة الصحابة علم بطلانه يقينًا، ويخشى أن يكون هذا من كلام الروافض أعداء الصحابة، لا سيما الفاروق عمر، فكل مؤمن يعلم أن أمير عمر بن الخطاب  برز على أكثر الذين أسلموا قبله حتى قال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر، وقال أيضًا: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر، كان إسلامه نصرًا، وإمارته فتحًا، وقال أيضا: كان عمر أعلمنا بكتاب الله، وأفقهنا في دين الله، وأعرفنا بالله، والله لهو أبين من طريق الساعين، يعني أن هذا أمر بين يعرفه الناس. 
ثم إن سائر المسلمين بعد زمن الصحابة لم يسجدوا لصنم؛ لأنهم ولدوا على الإسلام، ولا شك أن السابقين الأولين أفضل منهم بكثير، وقد تكلم عن هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة النبوية" وهو يرد على الرافضة في تفضيلهم الإمام علي رضي الله عنه على سائر الصحابة بدعو أنه لم يسجد لصنم وهم قد سجدوا للأصنام، فقال (7/ 134- 135):

"... أنه لو قيل أنه لم يسجد لصنم لأنه أسلم قبل البلوغ، فلم يسجد بعد إسلامه، فهكذا كل مسلم، والصبي غير مكلف. وإن قيل: إنه لم يسجد قبل إسلامه فهذا النفي غير معلوم، ولا قائله ممن يوثق به.

ويقال: ليس كل من لم يكفر، أو من لم يأت بكبيرة أفضل ممن تاب عنها مطلقًا، بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ممن لم يكفر ولم يفسق، كما دل على ذلك الكتاب العزيز فإن الله فضل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وأولئك كلهم أسلموا بعد الكفر، وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام.، وفضلالسابقين الأولين على التابعين لهم بإحسان، وأولئك آمنوا بعد الكفر، و أكثر التابعين ولدوا على الإسلام، وقد ذكر الله في القرآن أن لوطًا آمن لإبراهيم، وبعثه الله نبيا. وقال شعيب: {{ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا } [الأعراف: 89]، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [إبراهيم: 13]، وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر، ثم نبأهم بعد توبتهم، وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء.

وإذا كان في هؤلاء من صار نبيًا فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم، وهذا مما تنازع فيه الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيا. والنزاع فيمن أسلم أعظم، لكن الاعتبار بما دل عليه الكتاب والسنة. والذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصًا مذمومًا لا يستحق النبوة، ولو صار من أعظم الناس طاعة، وهذا هو الأصل الذي نوزعوا فيه، والكتاب والسنة والإجماع يدل على بطلان قولهم فيه.
وقال أيضًا (2/ 429):
"وإذا عرف أن أولياء الله يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفره وآمن بعد نفاقه وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله من هذه الأمة - وهم السابقون الأولون - يبين صحة هذا الأصل، والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، فلا يعاب الإنسان بكونه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة، إذا كان الله بعد ذلك خلقه في أحسن تقويم، ومن نظر إلى ما كان فهو من جنس إبليس الذي قال: { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]، وقد قال تعالى: {{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72]، فأمرهم بالسجود له إكراما لما شرفه الله بنفخ الروح فيه، وإن كان مخلوقا من طين".

هذا؛ والله تعالى أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 0
  • 31,117

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً