هل من وقع في كبيرة وهو عازم على التوبة تقبل توبته؟
فمن وقع في معصية كبيرة وهو عازم على التوبة منها، قبلت توبته إن تاب توبة نصوحًا.
السلام عليكم ما حكم من عزم ان يفعل معصية ثم يتوب منها ، مثال على ذلك لو عزم شخص ما على شرب الخمر يوم غد و كان عنده نية ان يتوب بعدها ولا يقرب ذلك الفعل ؟ هل اذا فعله وهو يعلم انه ذنب كبير ثم تاب يقبل الله منه؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كل من تاب من الذنوب تاب الله عليه، وعزم المسلم على التوبة بعد الذنب من أسباب توفيق الله له للتوب، ومن أفضل ما فصل في تلك المسألة الإمام ابن القيم؛ فقال في مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (1/ 283):
"والله تعالى إنما يغفر للعبد إذا كان وقوع الذنب منه على وجه غلبة الشهوة وقوة الطبيعة فيواقع الذنب مع كراهته له من غير إصرار في نفسه فهذا ترجى له مغفرة الله وصفحه وعفوه لعلمه تعالى بضعفه وغلبة شهوته له وأنه يرى كل وقت مالا صبر له عليه فهو إذا واقع الذنب واقعه مواقعة ذليل خاضع لربه خائف مختلج في صدره شهوة النفس الذنب وكراهة الايمان له فهو يجيب داعي النفس تارة وداعي الايمان تارات فأما من بنى أمره على أن لا يقف عن ذنب ولا يقدم خوفًا ولا يدع لله شهوة وهو فرح مسرور يضحك ظهرًا لبطن إذ ظفر بالذنب فهذا الذي يخاف عليه أن يحال بينه وبين التوبة".
وكذلك بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن من وقع في المعاصي حتى يكون مؤمنًا لابد أن يرجو أن يخلص من عقابها، وأن يبغض تلك المعصية، وأن يخشى من عقاب الله تعالى؛ فقال في كتابه "قاعدة في المحبة" (ص: 104):
"الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئًا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحًا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها إما بتوبة وإما حسنات وإما عفو وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال بل هو كافر أو منافق". اهـ.
وعليه، فمن وقع في معصية كبيرة وهو عازم على التوبة منها، قبلت توبته إن تاب توبة نصوحًا،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: