دحض مقولة: لا تقبل توبه الداعي للبدعة
هل معني قول العلماء ان الداعي لبدعه ليست له توبه المقصود بذلك انه يبقي عليه اوزار من تبعه ام انه لايصبح خرج من الكفر ان كانت البدعه مكفره مثلا : ان كان يدعوا الي الرفض وتاب هل يخرج من مذهب الرفض ويبقي عليه اوزار من تبعه ام لا يخرج منه ويبقي كافر لات هناك طالب علم سءلني عنه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد دلّ الكتاب والسنةوإجماع الأئمة على أن كل من أتى بما يوجب المغفرة غفر له، وإن من أصرّ على ما يناقض المغفرة لم يغفر له، وأن الله تعالى يغفر الكفر والشرك والبدعة والفسق وغيرها لمن تاب، وأنه ليس في الوجود ذنب لا يغفره الله تعالى.
أما قول: لا تقبل توبه الداعي لبدعه، فهو قول باطل، وقد بين الأئمة كذبه ومنهم الإمام الكبير ابن عساكر، فقال في كتابه "تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري" فقال (ص: 43-45) بعدما حكى تلك العبارة:
"... قلنا هذا قول عري عن البرهان، وقائله بعيد من التحقيق عند الامتحان، بل التوبة مقبولة من كل من تاب، والعفو من الله مأمول عن كل من أناب، والاحاديث التي رويت في ذلك غير قوية عند أرباب النقل، والقول بذلك مستحيل أيضًا من طريق العقل؛ فإن البدعة لا تكون أعظم من الشرك! ومن ادعى ذلك فهو من أهل الإفك، ومع ذلك فيقبل إسلام الكتابي والمرتد والكافر الأصلي، فكيف يستحيل عندكم قبول توبة المبتدع الملي؟!
وقد قال الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48]، والبدعة إذا كشفت عن حقيقتها وجدتها دون الشرك مما هناك، فإذا كان يقبل الرجوع عن الشرك الذي لا يغفره، فكيف لا تقبل توبة مبتدع لا يشرك به ولا يكفره؟!
وأكثر العلماء من أهل التحقيق على القول بقبول توبة الزنديق، مع ما ينطوي عليه إعتقاده الردئ من الخبث، وما يعتقده من جحود الصانع وإنكار البعث، والمبتدع لا يجحد الربوبية ولاينكر العظمة الإلهية، وإنما يترك بعض ما يجب عليه أن يعتقده لشبه وقعت له، فنكب فيها رشده، وقد سمعنا بجماعة من الأئمة كانوا على أشياء رجعوا عنها وتركوها، بعد ماسلكوها وتبرأوا منها فلم ينقصهم ما كانوا عليه من الابتداع، لما أقلعوا عنه ورجعوا إلى الإتباع، وقد كانوا أكثر الصحابة الكرام يدينون بعبادة الأوثان والأصنام، ثم صاروا بعد سادة أهل الإسلام، وقادة المسلمين في الأمور العظام، وقد أخبرنا الشيخ أبو الأعز قراتكين بن الأسعد، قال الحسن بن علي الجوهري انا ابو الحسن علي ابن عبد العزيز بن مردك انا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال أخبرني أبو عثمان الخوارزمي نزيل مكة فيما كتب إلى قال قال أبو ثور كنت انا واسحق بن راهويه وحسين الكرابيسي، وذكر جماعة منالعراقيين: ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي.
قال أبو عثمان وحدثنا ابو عبد الله الفسوي عن أبي ثور قال: لما ورد الشافعي العراق جاءني حسين الكرابيسي وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي، فقال قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه، فقم بنا نسخر به، فقمت وذهبنا حتى دخلنا عليه، فسأله الحسين عن مسألة فلم يزل الشافعي يقول: قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى أظلم علينا البيت وتركنا بدعتنا واتبعناه". اهـ.
وقال شيخ الإسلام وهو يفسر قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53]:
مجموع الفتاوى (16/ 23-25)
"وهذه آية عظيمة جامعة من أعظم الآيات نفعًا، وفيها رد على طوائف، رد على من يقول إن الداعي إلى البدعة لا تقبل توبته؛ ويحتجون بحديث إسرائيلي فيه: "أنه قيل لذلك الداعية فكيف بمن أضللت؟"، وهذا يقوله طائفة ممن ينتسب إلى السنة والحديث وليسوا من العلماء بذلك، كأبي علي الأهوازي وأمثاله ممن لا يميزون بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة، وما يحتج به وما لا يحتج به، بل يروون كل ما في الباب محتجين به، وقد حكى هذا طائفة قولاً في مذهب أحمد أو رواية عنه، وظاهر مذهبه مع مذاهب سائر أئمة المسلمين أنه تقبل توبته، كما تقبل توبة الداعي إلى الكفر، وتوبة من فتن الناس عن دينهم.
وقد تاب قادة الأحزاب: مثل أبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وغيرهم، بعد أن قتل على الكفر بدعائهم من قتل، وكانوا من أحسن الناس إسلامًا، وغفر الله لهم؛ قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وعمرو بن العاص كان من أعظم الدعاة إلى الكفر والإيذاء للمسلمين، وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم: "يا عمرو أما علمت أن الإسلام يجب ما كان قبله"، وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57]، قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن، فأسلم أولئك الجن والإنس يعبدونهم؛ ففي هذا أنه لم يضر الذين أسلموا عبادة غيرهم بعد الإسلام لهم، وإن كانوا هم أضلوهم أولا.
وأيضا فالداعي إلى الكفر والبدعة وإن كان أضل غيره، فذلك الغير يعاقب على ذنبه؛ لكونه قبل من هذا واتبعه، وهذا عليه وزره ووزر من اتبعه إلى يوم القيامة مع بقاء أوزار أولئك عليهم، فإذا تاب من ذنبه لم يبق عليه وزره ولا ما حمله هو لأجل إضلالهم، وأما هم فسواء تاب أو لم يتب حالهم واحد؛ ولكن توبته قبل هذا تحتاج إلى ضد ما كان عليه من الدعاء إلى الهدى؛ كما تاب كثير من الكفار وأهل البدع وصاروا دعاة إلى الإسلام والسنة، وسحرة فرعون كانوا أئمة في الكفر ثم أسلموا وختم الله لهم بخير". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ علمت أن هذا القول من الأقوال الباطلة، ومن الأحاديث المنتحلة، ونسبته إلى أحد من الأئمة باطلة،، والله أعلم.
- المصدر: