حكم منع الزوجة أو الخطيبة من مقابلة رجل يعلمها القرآن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قابلت فتاة بعلم أسرتها وكنت أخطط للزواج منها. هي تعيش في بلد أوروبي وهي مسلمة وترتدي الحجاب، الحمد لله. قابلت تلك الفتاة رجلاً في مكتبة في بلدها، واتفقت هي وصديقتها معه على أنه سيعلمهم قراءة القرآن الكريم ولم أعترض على ذلك في حينه. ثم بدأ يتحدث معهما عن أمور الشخصية، وأنه يريد الزواج، رغم أنه متزوج بالفعل، يريد أن يكون له زوجة ثانية، وبدأ يقول إنه يستطيع مساعدتهم في البحث عن رجال صالحين للزواج وأخذ يسأل عن حياتهم الشخصية ومن يجب أن يتزوجوا وبدت تلك الجلسات تأخذ طابع اجتماعي أكثر من مجرد دروس لتعلم قراءة القرآن. أخبرتها أنه من الأفضل التوقف عن مقابلته، وإيجاد طريقة أخرى لتعلم القرآن، إذا كان هذا هو النية بالفعل، وشرحت لها، أنني كرجل، أعرف أشياء قد لا تعرفها، بسبب دائرة علاقتي الواسعة واختلاطي مع الناس وخبراتي التي تمكنني من رؤية ما لا تستطيع هي رؤيته. لكنها رفضت، وقالت في البداية إنها ألمحت إليه ألا يسأل عن حياتهم الشخصية وأن يلتزم فقط بتعليمهم، لكنه لم يفعل، وتذرعت بعد ذلك أنه من الصعب عليها أن تجد شخصًا آخر لأنها تستخدم كرسيًا متحركًا والمسجد الموجود في المدينة التي يعيشون فيها يوجد به مصعد ولكن الشخص الذي يملك مفتاح المصعد ليس موجودًا دائمًا. قلت لها، يمكنها أن تجد سيدة وتتفق معها على المجيء إلى منزلها وتعليمها هي وصديقتها هناك أو الذهاب إلى منزل سيدة أخرى حيث تتجمع الأخوات وتعلم بعضهن القرآن، وقد أوضحت أن هناك الكثير من الطرق الأخرى، وأنا لا أحب استمرارها في مقابلة هذا الرجل بشكل خاص. قالت إنها لا تريد أن يسيطر أحد على حياتها، وأنها لا تفعل شيئًا خاطئًا، وإذا لم يعجبني، فإن الأمر متروك لي. وبالفعل قررت إنهاء علاقتي معها لأنه لا يمكنني الوثوق بها وأنني أرغب في الزواج من فتاة يمكنها الحفاظ علي سواء في وجودي أو غيابي، خاصةً أنها كانت تلتقي به دون علمي بعد أن علمت أن هذا الأمر يثير استيائي، وواصلت مقابلته وعرفت بالصدفة بعد ذلك. بصراحة، شعرت أنه لا يمكن الوثوق بها كزوجة، فهي تريد أن تعيش حياتها كما تشاء، دون أي اعتبار لأي شيء، وتقول دائمًا، إنها لا أفعل شيئًا خاطئًا ولا تحب أن يسيطر علي أحد. على الرغم من أن تلك هي المرة الوحيد على الإطلاق التي أصريت فيها على فعلها لشيء معين. أشعر بالضيق الشديد حول هذا الوضع برمته لأنني أحببتها حقًا وتمنيتها أن تكون زوجتي، سؤالي هو، هل أنا ظالم لها عندما طلبت منها التوقف عن مقابلة هذا الرجل؟ وإذا كنا متزوجين، فهل للرجل الحق في أن يطلب من زوجته أشياء من هذا القبيل؟ وهل مثل هذا الأمر لا يدخل في نطاق طاعة المرأة لزوجها؟ وجزاك الله خيرًا
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإنَّ من مقاصد الشريعة سدَّ الذرائع التِي قد يتوصَّل بِها إلى الحرام، والاختلاط بين الجنسين من أبواب الحرام المَحفوفٌ بالمخاطر والفِتَن، ومن أخطر ما يُزَيِّنُ به الشيطان للعلاقات بين الجنسين أنَّ ذلك على سبيل الدَّعوة والنصيحة في الدين، بله تعلم القرآن، وتكونُ هذه أُولى خطواته إلى تلك الفتن، والواقعُ خيْرُ شاهدٍ على ذلك.
ولا يستطيع أحد ادِّعاء سلامة القلب؛ لأن الشَّيطانُ يَجري منِ من الإنسان مَجرى الدَّم، كما في الحديث المتفق على صحته، وفي رواية عند أحمد والترمذي بلفظ: "لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري مجرى الدم"، والمغيبة: الذي غاب عنها زوجها.
ومن أجل هذا وغيره حذَّرنا الله تعالى من اتِّباع خطوات الشيطان فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
فالشارع الحكيم سبحانه تعالى لا يتركُ الناس لهوى نفوسهم، فأمر بغض البصر، والتزامِ الحجاب الشرعي، والكلامِ بالمعروف، وفي حضور الزوج، أو أحد المحارم، وحذَّرَنَا النَّبيُّ من التَّطلُّع للفِتَن، والرَّجُل أعظمُ فتنةٍ بِالنسبة للمرأة، كما أنَّ المرأةَ أشدُّ فتنةٍ على الرِّجال؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "ستكونُ فِتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن يُشْرِف لها تَستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا، فليعذ به"؛ متفق عليه.
وتدريس الرجل للمرأة للقرآن باب من أبواب الشر، وسبب من أسباب الفتنة والخطر على العفة والنزاهة؛ كما في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجالِ من النساءِ"
ولذلك كان في الشرع أن اجتناب المنهيات مقدَّمٌ على فعل المأمورات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (15 /419): "والأصل أنَّ كلَّ ما كان سببًا للفتنة، فإنَّه لا يجوز؛ فإنَّ الذريعة إلى الفساد سدُّها، إذا لم يعارضها مصلحة راجحة؛ ولهذا كان النَّظَر الَّذي قد يفضي إلى الفِتْنة محرَّمًا، إلاَّ إذا كان لحاجة راجِحة، مثل نظر الخاطِب والطَّبيب وغيرهما، فإنَّه يُباح النَّظَر للحاجة مع عدم الشهوة".هـ.
أما الزوجة فلا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، وهو أمر متقرر في الشريعة حتى في الذهاب للمسجد؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا"، فالزوجة تحتاج لإذن الزوج، وله أن يمنعها من الاختلاط بالرجال، ويجب أن تطيعه فيما أمرها به من المعروف، ما دام في حدود طاقتها، وأن تحفَظَه في عِرضه وماله وأولاد، وأن تقوم بما يلزم مثلَها من أعمال البيت، وبالجملة عليها أن تُحسِن عشرته، وتعاملَه بالتي هي أحسن، وتدفع سيئته بالحَسَنة، حتى يتمَّ الألفة والأنس بينهما؛ فتدوم حياتهما الزوجية بإذن الله.
وكذلك أوجب الشارع على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف؛ قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، ولقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
قال في موعظة المؤمنين (ص: 109): "على الزوجة طاعةُ الزوج في كلِّ ما طلب منها ممَّا لا معصيةَ فيه، وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبارٌ كثيرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتتْ وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا صلَّت المرأة خمسَها، وصامت شهرها، وحفِظت فرجها، وأطاعتْ زوجها - دخلتْ جنَّةَ ربِّها"... إلى أن قال: فحقوق الزوج على الزوجة كثيرة، وأهمُّها أمران: أحدهما: الصيانة والستر، والآخر: تَرْك المطالبة مما وراء الحاجة، والتعفُّف عن كسبه إذا كان حرامًا، ومن حقها على الوالدين تعليمها".
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 347): "الواجبُ عليها طاعة زوجها إذا لم يأمُرْها بمعصية، وطاعته أحقُّ من طاعتهما – يعني: والديها - وأيما امرأة ماتت وزوجُها راضٍ عنها، دخلتِ الجنة".
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: