هل للقسم على الله كفارة

منذ 2019-06-21
السؤال:

هل للقسم على الله كفارة حديث الرجل لو اقسم على الله لابره

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن القسم على الله تعالى مثل أن يقول: أقسمت عليك يارب لتفعلن كذا، ويكون الدافع له قوة اليقين وشدة الرجاء وحسن الظن بالله، والأمل في رجائه وعفوه وقدرته، والثقة بربِّه أنه تعالى سينجزه له، وييسر له من الأسباب.

 ولكن هؤلاء قليلون كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" (1/ 96): "وأما الذين يقسمون على الله فيبر قسمهم، فإنهم ناس مخصوصون".

وقد استجاب الله تعالى قسم أنس بن النضر ألا تكسر ثنية أخته الرُّبيع؛ كما في الصحيحين أن الربيع كَسرت ثنية جارية، فطلبوا الأرش، وطلبوا العفو، فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله، لا والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها، فقال: "يا أنس كتاب الله القصاص"، فرضي القوم وعفوًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره".

وممن عرف مثل ذلك عنه البراء بن مالك رضي الله عنه؛ كما روى الحاكم في المستدرك من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علي وسلم قال: "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه، منهم البراء بن مالك"، فإن البراء لقي زحفًا من المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين، فقالوا: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك لو أقسمت على الله لأبرك، فأقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين، فقالوا له: يا براء أقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، وألحقنا بنبيك صلى الله عليه وسلم، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيد".

 وفي الصحيحين عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار: كل عتل، جواظ مستكبر".

قال في شرح النووي على مسلم (16/ 175)

"لو أقسم على الله لأبره أي لو حلف على وقوع شيء، أوقعه الله إكرامًا له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه؛ وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيًرا عند الناس، وقيل معنى القسم هنا الدعاء وإبراره إجابته والله أعلم".

ومثله في "فتح الباري" لابن حجر (11/ 543)

 وقد بين شيخ الإسلام ابن القيم كيف يصل المسلم إلى تلك المنزلة العظيمة فقال فقي كتابه "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" (ص: 484):

 "أن مخالفة الهوى تقيم العبد في مقام من لو أقسم على الله لأبره، فيقضي له من الحوائج أضعاف أضعاف ما فاته من هواه، فهو كمن رغب عن بعرة فأعطي عوضهًا درة".

وقد حكى ابن رجب الحنبلي في كتابه "جامع العلوم والحكم"(3/ 1093-1099) روايات كثيرة عن القسم على الله فقال:

"وروى ابن أبي الدنيا بإسناد له أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: اللهم إني أقسم عليك أن أقتل، فأدخل الجنة، فقتل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن النعمان أقسم على الله فأبره"، وروى أبو نعيم بإسناده عن سعد: أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد: "يا رب، إذا لقيت العدو غدا، فلقني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: يا عبد الله، من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت، قال سعد: فلقد لقيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلقتان في خيط".

واحترقت خصاص بالبصرة في زمن أبي موسى الأشعري، وبقي في وسطها خص لم يحترق، فقال أبو موسى لصاحب الخص: ما بال خصك لم يحترق؟

فقال: إني أقسمت على ربي أن لا يحرقه، فقال أبو موسى: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "في أمتي رجال طلس رؤوسهم، دنس ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم".

وكان صلة بن أشيم في سرية، فذهبت بغلته بثقلها، وارتحل الناس، فقام يصلي، وقال: "اللهم إني أقسم عليك أن ترد علي بغلتي وثقلها، فجاءت حتى قامت بين يديه". اهـ. مختصرًا.

ومن القسم على الله ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في موقعة شقحب بين المسلمين والمغول سنة 702 للهجرة، فكان يقسم لأجناد المسلمين أنهم في هذه المعركة منصورون، فيقولون له: قل: إن شاء الله، فيقول: "إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً"؛ وذلك لقوة إيمانه وشدة يقينه بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر: 51].

قال ابن كثير رحمه الله: "وحرّض ابن تيمية السلطان على القتال وبشّره بالنصر، وجعل يحلف له بالله إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً".

أما وجوب الكفارة للقسم على الله، فإن السائل لم يبين مرادها من ذلك، فإن كان المقصود وجوب الكفارة عند الحنث في القسم، أي أن الله سبحانه لم يستجب منه، فالذي يفهم من كلام الإمام النووي السابق: "... وصيانته من الحنث في يمينه"، أن عدم الاستجابة حنث، والحنث يوجب كفارة اليمين، والكفارة إنما تجب على الحالف، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية، أن الكفارة إنما تجب على المقسم عند عدم ابرار قسمه؛ فقال في كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (1/ 95):

"والإقسام به على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعلن كذا؛ فإن حنثه ولم يبر قسمه، فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء، كما لو حلف على عبده أو ولده أو صديقه ليفعلن شيئاً، ولم يفعله فالكفارة على الحالف الحانث". اهـ.

وإن كان المراد الكفارة بسبب القسم على الله، فإن كان المقسم من القليلين الذين يحق له القسم على الله، فلا كفارة إلا بالحنث، وإن كان الدافع للقسم هو الجرأة على الله وقلة التقوى، فيجب عليه التوبة النصوح، والعزم على عدم العود،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 4,868

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً