هل دخول الماء للجوف عند الاستنجاء مبطل للصوم
نيرمين الأخرس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا عندما أستنجئ بالماء يدخل رأس اصبعي المبتلة بالماء قليلا في أول فتحة الشرج بغية تنظيفها حيث لا يحصل التنظيف الا بذلك فهل بذلك أفطر اذا كنت صائمة . لأني جربت الاستنجاء ظاهريا من دون ادخال رأس الإصبع المبتلة قليلا فلم يحصل التنظيف لأني جففت المكان بعد الاستنجاء بالمنديل فوجدت عليه آثار البراز . ارجو الإجابة على سؤالي كي أطمئن هل صيامي مقبول ام لا وشكرا .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن دخول الماء إلى الجوف عن طريق فتحة الشرج لا يفسد الصوم؛ لأن الأصل صحة الصوم فلا يُنتقل عنه إلا لدليل صحيح، ولأن مبطلات الصيام مما تعم بها البلوى ويحتاجها كل مسلم، فلا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولو فعل لنقل إلينا.
هذا؛ وقد ذهب الحنفية والمالكية في المشهور ، وهو المذهب عند كل من الشافعية والحنابلة ، إلى أن الاحتقان في الدبر يفطر الصائم؛ واحتجوا بأنه شيء وصل إلى جوفه باختياره، فأشبه الأكل، واحتجوا أيضًات بما صحّ عن ابن عباس عند "ابن أبى شيبة" (2/163/1) رقم (9319) حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، في الحجامة للصائم، قال: "الفطر مما دخل وليس مما يخرج".
والجواب أنه ليس صريحًا في أبطال الصيام بغير الطعام.
و اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أن الاحتقان من الدبر لا يفطر، لأن الصيام مما يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله سبحانه على الصائم لكان واجبا على الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، وبلغوه الأمة، كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا مسندا ولا مرسلا علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك.
قال رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (25/ 233):
"وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة، فهذا مما تنازع فيه أهل العلم، فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك.
والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك؛ فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك ولعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه؛ فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلاً - علم أنه لم يذكر شيئًا من ذلك. ...
والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس وأقوى ما احتجوا به قوله وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما"، قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه.
وإذا كان عمدتهم هذه الأقيسة ونحوها لم يجز إفساد الصوم بمثل هذه الأقيسة لوجوه:
أحدها أن القياس وإن كان حجة إذا اعتبرت شروط صحته؛ فقد قلنا في الأصول: إن الأحكام الشرعية كلها بينتها النصوص أيضًا، وإن دل القياس الصحيح على مثل ما دل عليه النص دلالة خفية، فإذا علمنا بإن الرسول لم يحرم الشيء ولم يوجبه علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب، وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد، ونحن نعلم أنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء التي ذكرها بعض أهل الفقه، فعلمنا أنها ليست مفطرة.
الثاني أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا، علم أن هذا ليس من دينه؛ وهذا كما يعلم أنه لم يفرض صيام شهر غير رمضان، ولا حج بيت غير البيت الحرام، ولا صلاة مكتوبة غير الخمس، ولم يوجب الغسل في مباشرة المرأة بلا إنزال...". اهـ. مختصرًا.
وعليه، فدخول الماء من فتحة الشرج لا يبطل الصيام،، والله أعلم.
- المصدر: