هل صفة النور لله تعالى مرادفة لصفة الجمال
هل صفة النور لله تعالى مرادفة لصفة الجميل؟ وما معنى أن الله بذاته نور؟ هل معنى ذلك أن الله من نور؟ نفع الله بكم الأمة.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن النور صفة ذاتية لله عز وجل، وأنه سبحانه نور السماوات والأرض، وأن النور اسم من أسماء الله الحسنى، والاسم والصفة ثابتان بآية النور وغيرها من الأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة، كما سيأتي في النقل عن شيخ الإسلام، وأهل السنة متفقون على إثباتهما أعنى تسمية الله بالنور ووصفه به، وأن صفة النور غير صفة الْجَمَالُ الذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، من اسمائه (الجميل)، وهو ثابت في السنة الصحيحة؛ ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله جميل يحب الجمال".
قال شيخ الإسلام ابن تيمة في كتابه الكبير "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" (5/ 486-493):
"الله أخبر أنه نور السموات والأرض وليس شيء مما ذكرته = يقصد الرازي حيث زعم أن معنى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]: الله مُنور السموات والأرض، أو هادٍ لأهل السموات والأرض، أو مصلح، قال: لأن عاقل يعلم أن الله ليس النور المنبسط على الجدران = نور السماوات والأرض؛ فإن النار جملة وتفصيلاً كالموجود في السرج والمصابيح وغير ذلك إنما يكون في بعض الأرض أو بعض ما بين السماء والأرض، فضلاً عن أن تكون هذه النيران نور السموات والأرض، وكذلك ضوء الشمس والقمر ليسا نور السموات والأرض، وإن كانا موجودين في بعض السموات ومنورين لبعض الأرض، فإنا نعلم أن نور الشمس التي هي أعظم من نور القمر ليس هو نور جميع السموات والأرض، فإذا كانت هذه الأمور ليست نور السموات والأرض، والله قد أخبر أنه هو نور السموات والأرض= لم يكن ظاهر كلامه أن الله هو هذه الأنوار حتى يجعل ظاهر كلام الله باطلاً ومحالاً وكفراً وضلالاً بالبهتان، وتحريف الكلم عن مواضعه، بل لو كان الخطاب الله هو النور الذي تشهدونه في السموات والأرض، أو الله هو النور الذي في السموات والأرض= لكان لكلامه وجه، بل قال هو نور السموات والأرض، فالمحرف لهذه الآية ظن أن مسمى نور السموات والأرض هي هذه الأنوار المشهودة المخلوقة من القمرين والنار، فاعتقد أن ظاهر القرآن هو هذا الباطل.
الوجه الثاني: أنه قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قام من الليل: "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن"، وهذا يقتضي أن كونه نور السموات والأرض أمر مغاير لكونه رب ذلك وقيّمه، ومن المعلوم أن إصلاح ذلك وهدايته وجعله نيِّراً هو داخل في كونه ربه وقيمه، فعلم أن معنى كونه نور السموات والأرض غير ذلك.
الثالث: أن الله قد قال في كتابه العزيز {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ* وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر 68-69]، فقد اخبر أن الأرض يوم القيامة تشرق بنوره، وقال الإمام أحمد في الرد على الجهمية: نقول إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء، ولا نقول إنه كان قد لا يتكلم حتى خلق كلاماً، ولا نقول إنه قد كان لا يعلم حتى خلق لنفسه علماً فعلم، ولا نقول إنه قد كان ولا قدرة له حتى خلق لنفسه قدرة، ولا نقول إنه قد كان ولا نور له حتى خلق لنفسه نوراً، ولا نقول إنه قد كان ولا عظمة له حتى خلق لنفسه عظمة، فقالت الجهمية لنا: لمَّا وصفنا من الله هذه الصفات إن زعمتم أن الله ونوره والله وقدرته والله وعظمته فقد قلتم بقول النصارى، حين زعمتم أن الله لم يزل ونوره، لم يزل وقدرته، فقلنا: لا نقول إن الله لم يزل وقدرته ولم يزل ونوره، ولكن لم يزل بقدرته وبنوره، لا متى قدر ولا كيف قدر، فكل ما له فهو في نفسه نور، فإن إنارته على غيره فرع استنارته في نفسه، ولهذا كان لفظ النور يقع على الجواهر المنيرة وعلى الأعراض القائمة بالمستنير بها أخرى؛ قال تعالى {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح 16]، فجعل القمر نفسه نوراً وهو جوهر قائم بنفسه، ويقال لضوئه وضوء الشمس نور.
الوجه الرابع: أنه قد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ قال: "نورٌ أنَّى أراه"، وثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور أو قال النار لو كشفه؛ لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه"، وقال عبد الله بن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات من نور وجهه، فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح أن له حجاباً من النور أو النار، وهذا ليس هو نور وجهه الذي لو كشف هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه، وكذلك روى عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا محمد بن كثير أنا سفيان عن عبيد المكتب عن مجاهد عن ابن عمر قال: "احتجب الله من خلقه بأربعٍ، بنارٍ وظلمةٍ، ونورٍ وظلمةٍ"، وقال حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن زرارة بن أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل هل رأيت ربك فانتفض جبريل وقال يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نورٍ لو دنوت من أدناها حجاباً لاحترقت".
الخامس: أن كونه نوراً أو تسميته نوراً مما لم يكن ينازع فيه قدماء الجهمية وأئمتهم الذين ينكرون الصفات، بل كانوا يقولون إنه نور؛ قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية، وقلنا للجهمية حين زعموا أن الله بكل مكان لايخلو منه مكان، فقلنا لهم أخبرونا عن قول الله جل ثناؤه {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف 143] لِمَ تجلى للجبل إذا كان فيه بزعمكم؟ فلو كان فيه كما تزعمون لَمْ يكن متجلياً لشيء هو فيه؟! لكن الله تبارك وتعالى على العرش وتجلى لشيء لم يكن فيه، ورأى الجبل شيئاً لم يكن رآه قط قبل ذلك، وقلنا للجهمية: الله نور، فقالوا هو نور كله، فقلنا قال الله: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}، فقد أخبر جل ثناؤه أن له نوراً، وقلنا لهم أخبرونا حين زعمتم أن الله في كل مكان وهو نور فلِمَ لا يضيء البيت مظلم من النور الذي هو فيه إذ زعمتم أن الله في كل مكان؟ وما بال السراج إذا دخل البيت المظلم يضيء، فعند ذلك تبين كذبهم على الله". اهـ.
وقال (8/ 66-76) : "الذي عليه جماهير الخلائق أن الله عز وجل نفسه نور، حتى نفاة الصفات الجهمية كانوا يقولون إنه نور". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: