تفصيل القول في الطلقة البائنة الرجعية

منذ 2020-01-25
السؤال:

رجل طلق زوجته عند المأذون وذكر في قسيمة الطلاق أنه لا يجوز إرجاعها إلا بإذنها ورضاها بعقد ومهر جديدين وأنها طلقة بينونة صغرى حضورية ، وقبل طهارة المرأة من الحيضة الأخيرة بيومين إتصل بها وقال لها راجعتك وهي غير راضية ، فهل هذه الرجعة صحيحة وهي الآن على ذمته ؟ أم الرجعة باطلة ؟ ولو كانت باطلة هل يجوز لها الزواج من رجل آخر ؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ: 

فإن الطلاق في الشريعة الإسلامية هو الطلاق الرجعي، فليس في كتاب الله طلاق بائن، وإنما كل طلاق ذكره الله تعالى في القرآن فهو الطلاق الرجعي، ولكن إن طلق الزوج زوجته طلقة بائنة بلا عوض، فالراجح من أقوال أهل العلم أنها تقع واحدة رجعية، وله أن يرتجع زوجته في العدة بدون رضاها.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (33/ 155):

"ولو قال لامرأته: أنت طالق طلقة بائنة، لم يقع بها إلا طلقة رجعية؛ كما هو مذهب أكثر العلماء؛ وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه، قالوا: وتقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن تقسيم مخالف لكتاب الله، وهذا قول فقهاء الحديث، وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد؛ فإن كل طلاق بغير عوض لا يقع إلا رجعيًا، وإن قال: أنت طالق طلقة بائنة أو طلاقًا بائنا: لم يقع به عندهما إلا طلقة رجعية". اهـ.

  وقال أيضًا(32/ 304): "فإن العلماء تنازعوا على ثلاثة أقوال في الطلاق البائن، فقيل:

إن شاء الزوج طلق طلاقًا بائنًا وإن شاء طلق طلاقًا رجعيًا؛ بناء على أن الرجعة حق له، وإن شاء أثبتها، وإن شاء نفاها، وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد، وأظنه رواية عن مالك.

وقيل: لا يملك الطلاق البائن ابتداء بل إذا طلبت منه الإبانة ملك ذلك، وهذا معروف عن مالك، ورواية عن أحمد اختارها الخرقي.

وقيل: لا يملك إبانتها بلا عوض؛ بل سواء طلبت ذلك أو لم تطلبه ولا يملك إبانتها إلا بعوض، وهذا مذهب أكثر فقهاء الحديث وهو مذهب الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وعليه جمهور أصحابه، وهو قول إسحاق وأبي ثور وابن المنذر وابن خزيمة وداود وغيرهم، وعليه أكثر النقول الثابتة عن أكثر الصحابة، وعلى هذا القول يدل الكتاب والسنة؛ فإن الله لم يجعل الطلاق إلا رجعيًا، وليس في كتاب الله طلاق بائن من الثلاث إلا بعوض لا بغير عوض، بل كل فرقة تكون بائنة فليست من الثلاث". اهـ.

أما إن طلق الزوج زوجته طلقة بائنة عوض، بمعنى أنكِ قد تنازلت لزوجك عن المهر أو مؤخره أو جزء منه، فهو خلع وليس بطلاق، وإن وقع بلفظ الطلاق، أو تلفظ بالطلاق، ولا يملك زوجك حينئذ أن يردكِ إلا بعقد ومهر جديدين؛ قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وروى عن عبدالله بن عباس أنه قال: "كل ما أجازه المال فليس بطلاق"، ورواه الإمام الشافعي في "تفسيره" (1/ 362) عن عكرمة، فالخلع تبين به المرأة، ولا يحل للزوج أن يتزوجها بعده إلا برضاها، وليس هو كالطلاق المجرد، والراجح من أقوال أهل العلم أن الخلع يقع بلفظ الطلاق إن قصد بها الخلع، وهو ما رجحه

شيخ الإسلام حيث قال في "مجموع الفتاوى" (32/ 296- 298):

"... أنه فسخ بأي لفظ وقع؛ وليس من الطلاق الثلاث، وأصحاب هذا القول لم يشترطوا لفظًا معينًا ولا عدم نية الطلاق؛ وهذا هو المنقول عن ابن عباس وأصحابه؛ وهو المنقول عن أحمد بن حنبل وقدماء أصحابه في الخلوع بين لفظ ولفظ؛ لا لفظ الطلاق ولا غيره؛ بل ألفاظهم صريحة في أنه فسخ بأي لفظ كان أصرح من لفظ الطلاق في معناه الخالص.

ثم قال: فتبين أن الاعتبار عندهم ببذل المرأة العوض وطلبها الفرقة، وأيضًا: فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لثابت بن قيس بن شماس - وهو أول من خالع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم - لما جاءت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له: لا أنقم عليه خلقًا ولا دينًا ولكن أكره الكفر بعد في الإسلام؛ فذكرت أنها تبغضه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه الحديقة"، فقالت: نعم، قال: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"، وابن عباس الذي يروي هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه أمرها بحيضة استبراء"، وقال: "لا عدة عليك"، وأفتى بأن طلاق أهل اليمن الذي يسمونه "الفداء"، ليس من الطلاق الثلاث مع أن إبراهيم بن سعد قال له: عامة طلاق أهل اليمن الفداء، فقال له: ليس الفداء بطلاق؛ وإنما هو فراق، ولكن الناس غلطوا في اسمه، فأخبره السائل أن طلاقهم هو الفداء، وهذا ظاهر في أن ذلك يكون بلفظ الطلاق، وأدنى أحواله أن يعم لفظ الطلاق وغيره، وابن عباس أطلق الجواب وعمم ولم يستثن الفداء بلفظ الطلاق، ولا عين له لفظًا، مع علمه بأن وقوع ذلك بلفظ الطلاق أكثر منه بغيره؛ بل العامة لا تعرف لفظ الفسخ والخلع ونحو ذلك".

وعليه، فإن كان الطلاق البائن المذكور بلا عوض، فهو طلاق رجعي ويجوز لزوج مراجعتك قبل انتهاء العدة، وإن كان بعوض فهو خلع ولا يملك زوجك مراجعتك، فالعبرة ببذل الزوجة للعوض لزوجها أو تنازلها عن المهر أو جزء منه وطلبها الفرقة،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 4
  • 0
  • 2,789

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً