هل الشياطين يقفون أمام الله يوم القيامة، وهل يحاسبوا

منذ 2020-01-26
السؤال:

لقد تكررت قلبي هذا السؤالين وهما:_ هل الشياطين يقفون(يقومون) أمام الله يوم القيامة؟ وهل يحسب بأعمالهم؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله تعالى يجمع على الشياطين ومن تابعهم من أهل الشرك والكفر نوعى العذاب: عذاب النار، وعذاب الحجاب عنه سبحانه وتعالى، كما يجمع لأوليائه نوعى النعيم: نعيم التمتع بما في الجنة، ونعيم التمتع برؤيته، فالكفار محجبون عن ربهم، يقاسون ألم هذا الحجاب، فيصلون الجحيم، قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ* ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ* ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين: 15 - 17]، ومثلها قوله تعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ* إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ* إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 108 –111].

فالنظر إلى الله سبحانه هو أعلى أجل وأعظم  أنواع النظر وأفضلها، ولذلك عذب الكافرون عمومًا بالحجاب عن ربهم في الآخرة؛ فحرموا لذة النظر إلى وجه الله الكريم، وحيل بينهم وبين السعادة الكبرى.  

وقال الإمام ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص: 292): "إنه سبحانه وتعالى جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته واستماع كلامه". اهـ.

وقد دلت السنة النبوية على حجب الكفار؛ ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب، إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله برٌّ أو فاجرٌ، وغَبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير بن الله فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح بن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من برٍّ، أو فاجرٍ، أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، فيقال: ماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لا نشرك بالله شيئًا، مرتين أو ثلاثًا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة"، والحديث ظاهر في أن الشياطين وأوليائهم من الكافرين سقطوا في النار قبل الأمر بالسجود.

أما حساب الشياطين والكفار، فيختلف عن حساب المؤمنين؛ كما في الصحيحين من حديث ابن عمر وفيه: "وأما الكفار والمنافقون، فينادى على رؤوس الأشهاد: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، أي: فيقررون بأعمالهم، فإذا أنكروا تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم؛ كما في قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت: 19، 21].

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 4
  • 1,701

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً