الخواطر الجنسية
منذ حوالى ثلاثة اعوام قد اتخذت القرار بأن اغض بصرى وجاهدت نفسى كثيرا حتى تمكنت من ذلك لكن مازالت هناك مشكلة لدى وهى الخواطر الجنسية فلا يمر ثلاثين او اربعين يوما الا وتختاننى نفسى فيظل عقلى يفكر بتلك الامور ليومين او ثلاث ثم ارجع عما انا فيه ولكن للاسف منذ حوالى شهر اصبحت تلك الامور ترد على بالى كثيرا فلا تمر اربع او خمس ساعات الا وتختاننى نفسى ثم بعدها اتوب عن ذلك واشعر بالندم فاحيانا يكون ندما شديدا واحيانا يكون قليلا ولكن لا ينتهى اليوم قبل ان تختاننى نفسى مرة اخرى ثم بعدها اندم واتوب مره اخرى وهكذا الحال منذ حوالى شهر فأخطأ واتوب فى اليوم الواحد اكثر من مرة وكل مرة اتعهد على عدم العودة لكن لا افى بهذا العهد وقلما يمر يوما كاملا دون ان يحدث ذلك فهل لك ان تذكر لى كل الاحاديث والنصوص التى وردت عن عقاب من يفعل ذلك او من يطلق بصره لعلى اتذكرها فى الاوقات التى تختاننى نفسى فيها فأخشى من عقاب الله واعود قبل ان يتعمق عقلى فى ذلك وكذلك كل النصوص التى وردت عن ثواب من يمنع تلك الخواطر ويغض بصره لعلها تكون حافزا لى على هجر تلك المعصية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فما تعاني منه في الحقيقة هو عدم الثبات على التوبة، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما في الحديث، وإذا تاب المسلم توبة صحيحة غفرت ذنوبه، فإن عاد إلى الذنب فعليه أن يتوب أيضًا، وإذا تاب قبل الله توبته وهكذا دواليك، ولا يصرّ، وليحذر من الإياس واستكثار الذنب؛ فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره.
وقد بين شيخ الإسلام أن سبب الرجوع إلى نفس الذنب هو بقايا ما في النفس من الذنب، فقال في "مجموع الفتاوى" (16/ 58): "فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة، لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح، وهي واجبة بما أمر الله تعالى؛ ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضًا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصرّ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة".
أما وسائل الثبات على التوبة من تلك الخواطر الجنسية فكثرة، ولكن من أعظمها أثرًا: قطع تلك الخطرات وعدم الاسترسال معها.
قال الإمام ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي"(ص: 154):
"وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة".
وقال أيضًا في كتابه "طريق الهجرتين"(1/ 175-177) - في ذِكْر طريق يوصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال -: "وهي شيئان:
أحدهما: حِراسة الخواطر وحفظها، والحذَر مِن إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله مِن قِبَلها يجيء؛ لأنها هي بذر الشيطان، والنفس في أرض القلب، فإذا تَمَكَّن بذرها تعاهدها الشيطانُ بسقيه مرة بعد أخرى، حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكونَ عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمرَ الأعمال، ولا ريب أن دفْعَ الخواطر أيسر مِن دفْعِ الإرادات والعزائم، فيجد العبدُ نفسه عاجزًا أو كالعاجز عن دفْعِها، بعد أن صارتْ إرادة جازمةً، وهو المفرِّط إذا لم يدفَعْها وهي خاطرٌ ضعيفٌ، كمَن تهاوَن بشرارةٍ مِن نارٍ وقعتْ في حطبٍ يابس، فلما تمكنتْ منه عجز عن إطفائها.
فإن قلت: فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟
قلتُ: أسباب عدة:
أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب تعالى ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.
الثاني: حياؤك منه.
الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلقه لمعرفته ومحبته.
الرابع: خوفك منه أن تسقطَ من عينه بتلك الخواطر.
الخامس: إيثارك له أن تُساكن قلبَك غير محبته.
السادس: خشيتك أن تتولدَ تلك الخواطر، ويستعرَّ شرارها، فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله؛ فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليُصاد به، فاعلمْ أن كل خاطر منها فهو حبة في فخٍّ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً، بل هي ضدها مِن كل وجه، وما اجتمعا في قلب إلا وغلب أحدُهما صاحبه وأخرجه واستوطن مكانه، فما الظن بقلب غلبت خواطر النفس والشيطان فيه خواطر الإيمان والمعرفة والمحبة، فأخرجتْها واستوطنتْ مكانها، لكن لو كان للقلب حياةٌ لشعر بألم ذلك وأحس بمُصابه.
التاسع: أن يعلم أن تلك الخواطر بحرٌ مِن بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص منه فلا يجد إليه سبيلاً، فقلبٌ تملكه الخواطر بعيدٌ من الفلاح، مُعَذَّبٌ مشغولٌ بما لا يفيد.
العاشر: أن تلك الخواطر هي وادي الحَمْقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي، وإذا غلبت على القلب أورثتْه الوساوس، وعزلتْه عن سلطانها، وأفسدت عليه رعيته، وألقتْه في الأسر الطويل، كما أن هذا معلوم في الخواطر النفسانية، فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية هي أصل الخير كله، فإن أرض القلب إذا بُذر فيها خواطر الإيمان، والخشية والمحبة، والإنابة والتصديق بالوعد، ورجاء الثواب، وسُقيت مرة بعد مرة، وتعاهدها صاحبُها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها، أثمرتْ له كلَّ فِعل جميل، وملأتْ قلبه مِن الخيرات، واستعملتْ جوارحه في الطاعات، واستقر بها الملك في سلطانه، واستقامتْ له رعيته، ولهذا لما تحققتْ طائفة من السالكين ذلك عملت على حفظ الخواطر، فكان ذلك هو سيرها وجل عملها، وهذا نافعٌ لصاحبه بشرطين:
أحدهما: ألا يترك به واجبًا ولا سُنة.
والثاني: ألا يجعل مجرد حفظها هو المقصود، بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطر الإيمان والمحبة، والإنابة والتوكل والخشية، فيفرِّغ قلبه من تلك الخواطر، ويعمره بأضدادها، وإلا فمتى عمل على تفريغه منهما معًا كان خاسرًا، فلا بد من التفطُّن لهذا.
الشيء الثاني: صدق التأهب للقاءِ الله من أنفع ما للعبد وأبلغه في حصول استقامته؛ فإِن من استعد للقاءِ الله انقطع قلبه عن الدنيا وما فيها ومطالبها، وخمدت من نفسه نيران الشهوات، وأخبتَ قلبه إلى ربه تعالى، وعكفت همته على الله وعلى محبته وإيثار مرضاته، واستحدثت همة أُخرى وعلوماً أُخر، وولد ولادة أُخرى تكون نسبة قلبه فيها إلى الدار الآخرة، كنسبة جسمه إِلى هذه الدار". اهـ.
ومن وسائل الثبات على التوبة من تلك الخواطر الجنسية: العمل بما أنزل من الكتاب والسنة، فقد ضمن الله تعالى لمن اتبع الهدى الذي جاءت به الرسل، ألا يضل ولا يشقى، فقال سبحانه: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38]، وقال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]
ومنها: الدعاء بيقين، وصدق اللجوء إلى الله تعالى بالعصمة من تلك الخطرات، فالله سبحانه وتعالى جَوَادٌ، كَرِيمٌ، قريبٌ، مجيبٌ يَغْضَبُ عَلَى مَن لَا يَسْأَلُهُ، وَمع الإلحاح في الدعاء؛ فَهُو - سبحانه - يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهَّابٌ، كَرِيمٌ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ؛ قال الله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
ومنها: الخوف من الله من أن يحول بينك وبين قلوبك، كما قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [الأنفال: 24]، فالله سبحانه هو من يأذن في توبة عبده وييسره لها، وهو سبحانه من بقوته القاهرة اللطيفة من يفصل بينه وبين قلبه، ويستحوذ على قلبه ويحتجزه، ويصرفه كيف شاء، ويقلبه كما يريد، وصاحبه لا يملك منه شيئاً وهو قلبه الذي بين جنبيه! وتأمل هذا المعنى في قوله تعالى في حق الثلاثة الذين خلفوا: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام: 110]، وقال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } [الأنعام: 111].
والمؤمن الحق من يخشى الله تعالى وهو يقظ دائمًا، وحذر دائمًا، يقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته، وحذر من كل هاجسة وميل، مخافة أن يقلب قلبه؛ ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق المعصوم يكثر أن يقول: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك"، فكيف بغيره! وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء، ثم قال: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".
ومنها: تغليب التفكير العقلي؛ لأن خاصة العقل التأمل في العواقب، فمن اتبع العقل سَلِم، والشيطان لا يصل لأحدنا إلا بعد أن يغطي على نور العقل أو يغيبه، فالواجب على من نازعته نفسه إلى لذة محرمة، أن يتأمل عواقبها وعقابها، وأن يستمع لهتاف العقل.
قال في صيد الخاطر (ص: 212): "لا أنكر على من طلب لذة الدنيا من طريق المباح؛ لأنه ليس كل أحد يقوى على الترك، إنما المحنة على من طلبها، فلم يجدها أو أكثرها إلا من طريق الحرام، فاجتهد في تحصيلها، ولم يبالِ كيف حصلت، فهذه المحنة التي بخس العقل فيها حقه، ولم ينتفع صاحبه بوجوده؛ لأنه لو وزن ما آثر وعقابَه، طاشتْ كفة اللذة، التي فنيت عند أول ذرة من أجزائها.
وكم قد رأينا ممن آثر شهوته، فسلبت دينه! فليعجب العاقل حين التصفح لأحوالهم، كيف آثروا شيئًا ما أقاموا معه، وصاروا إلى عقاب لا يفارقهم؟! فَاللهَ اللهَ في بخس العقول حقها! ولينظر السالك أين يضع القدم، فرب مستعجل وقع في بئر بوارٍ، ولتكن عين التيقظ مفتوحة، فإنكم في صف حرب، لا يدري فيه من أين يتلقى النبل، فأعينوا أنفسكم، ولا تعينوا عليها".
وقال (ص: 297):" كل من لا يتلمح العواقب، ولا يستعد لما يجوز وقوعه؛ فليس بكامل العقل! واعتبر هذا في جميع الأحوال! مثل أن يغتر بشبابه، ويدوم على المعاصي، ويسوف بالتوبة، فربما أُخذ بغتة، ولم يبلغ بعض ما أمل، وكذلك إذا سوّف بالعمل، أو بحفظ العلم، فإن الزمان ينقضي بالتسويف، ويفوت المقصود".
وقال "صيد الخاطر" (ص: 463): "من سار مع العقل، وخالف طريق الهوى، ونظر إلى العواقب، أمكنه أن يتمتع من الدنيا أضعاف ما تمتع من استعمل الشهوات؛ فأما المستعجل فيفوت على نفسه حظ الدنيا والذكر الجميل، ويكون ذلك سببًا لفوات مراده من اللذات".
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: