هل ما كتب في اللوح المحفوظ مستمرّ بغير انقطاع

منذ 2020-01-30
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مما إطلعت عليه بفضل الله تعالى أن اللوح المحفوظ هو الكتاب الذي كتبه فيه تعالى تفاصيل حياة المخلوقات كلها من الملائكة والجن والإنس والدواب.... وماسيفعلونه لكن سؤالي هل كتب الله تعالى فيه كذلك تفاصيل حياة المخلوقات بعد يوم القيامة في الجنة والنار إلى الأبد أم مكتوب فيه فقط تفاصيل حياتهم من خلقهم إلى يوم القيامة؟؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن: الكتابة، في اللوح المحفوظ هي المرتبة الثانية للقدر، فكتب الله فيه مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة؛ قال الله سبحانه وتعالى يقول: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [الحج: 70] ، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22]، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام: 38].

 وروى أحمد وأبو داود عن ابن عباس "أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"، وروى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس اللَّه روحه: "علم اللَّه السابق محيط بالأشياء على ما هي عليه ولا محو فيه ولا تغيير، ولا زيادة ولا نقص فإنه تعالى يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون".

والذي يظهر من الأدلة أن المكتوب في اللوح المحفوظ لها حد تنتهي إليه، وليست مستمرّة في الأبد بغير انقطاع؛ لأن ما لا يتناهى لا ينحصر بالكتابة، وعليه يدل حديث ابن عباس السابق، ولكن في رواية الترمذي عن عبادة بن الصامت "إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد"، ولكن لا يخفى أنه حديث واحد وله ألفاظ أخرى مقيدة بيوم القيامة، أو قيام الساعة، كما عند أحمد: "فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة"، ولفظ أبي داود: "اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة"، فدل على أن القلم كتب كل ما يكون إلى يوم القيامة.

القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 168)

"أن ما لا يتناهى في المآل كيف ينحصر، وينضبط تحت القلم في الاستقبال سيما مع قوله - عليه الصلاة والسلام -: "جف القلم"، اللهم إلا أن يقال: المراد به كتابة الأمور الإجمالية الكلية لا الأحوال التفصيلية الجزئية، وهو خلاف ظواهر الأدلة المروية، ثم رأيت الأبهري نقل عن زين العرب أن الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع، فالجمع بينه وبين إلى ممتنعٌ؛ لأنه لا يمكن وصول شيء إليه حتى ينتهي. قلت: يحمل الأبد - على الزمان الطويل اهـ.

وفيه أن الزمان الطويل الله أعلم أنه انقراض العالم، أو استقرار الفريقين في الموضعين، ويلزم منه أن لا تكون أحوال الدارين مكتوبة، والله أعلم، ثم رأيت في الدر المنثور نقلاً عن ابن عباس: "أن أول شيء خلقه الله القلم؛ فقال له: اكتب. فقال: يا رب، وما أكتب؟ قال: اكتب القدر يجري من ذلك بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم طوي الكتاب، ورفع القلم"؛ رواه البيهقي وغيره والحاكم، وصححه، وفي الدر أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول شيء خلق الله القلم، ثم النون، وهي الدواة، ثم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: ما كان، وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل، أو أثر، أو رزق، أو أجل، فكتب ما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم ختم على فم القلم فلم ينطق، ولا ينطق إلى يوم القيامة". اهـ.

إذا تقرر هذا؛ فالكتابة في اللوح المحفوظ لها أجل مسمى وهو يوم القيامة، وأن رواية "الأبد"، المراد منه يوم القيامة كما في الرواية الأخرى لنفس الحديث أبي هريرة مرفوعًا، وفيه: "وما هو كائن إلى يوم القيامة"، ولأن الأبد يطلق على الزمن الطويل، ومن ثمّ يصح أن يجعل الأبد إلى غاية، ولأن غير المتناهي يستحيل كتابته في الزمان المتناهي،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • 1
  • 4,370

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً