حكم نكاح الحامل

منذ 2020-02-04
السؤال:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ

كنت على علاقة مع زوجي قبل الزواج و نتج عنها حمل تزوجنا و عقدنا القران بحضور الامام و الشهود وولي امري بعد ان تبنا مما فعلنا والابن من صلبه،بعد اربع سنين حملت ثانية و قيل لنا يجب اعادة عقد القران بعد وضع المولود فقمنا بدلك وهدا بحضور الامام والشهود وولي الامر.

الان افتو علينا ان هدا كله باطل وهدا القران غلط و حرام ولا يجوز ويجب الانفصال.اريد من سيادتكم ان تدلونا على الصح واين الحل في حالتنا هده.مع العلم انا من الجزاءر .مشكورين وارجو الرد في اسرع وقت ممكن

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ

فإن كان الحال كما ذكرت أن العقد الأول قد تم وأنت حامل من الشخص الذي زنيت معه، فالعقد باطل في أرجح قولي أهل العلم، وهو قول المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية، فنصوا على أنه لا يجوز عقد النكاح قبل وضع الحمل، لا من الزاني نفسه ولا من غيره؛ واحتجوا بعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا توطأ حامل حتى تضع"؛ رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري.   

واشترط أحمد لصحة العقد التوبة من الزنا، ولم يشترط التوبة لصحة نكاح الزانية جمهور الفقهاء.

 

وذهب الشافعية وأبو حنيفة إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنى، إلا أبو حنيفة منع من وطئها حتى تضع الحمل، وأجاز الشافعي وطأها؛ لأن المنع من نكاح الحامل حملاً ثابت النسب لحرمة ماء الوطء، ولا حرمة لماء الزنى؛ لأنه لا يثبت به النسب.

قال في "مجموع الفتاوى" (32/ 109-110)

"نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره، هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف: منهم أحمد بن حنبل وغيره، وذهب كثير من السلف والخلف إلى جوازه وهو قول الثلاثة؛ لكن مالك يشترط الاستبراء وأبو حنيفة يجوز العقد قبل الاستبراء إذا كانت حاملاً؛ لكن إذا كانت حاملاً لا يجوز وطؤها حتى تضع والشافعي يبيح العقد والوطء مطلقًا؛ لأن ماء الزاني غير محترم وحكمه لا يلحقه نسبه، هذا مأخذه، وأبو حنيفة يفرق بين الحامل وغير الحامل؛ فإن الحامل إذا وطئها استلحق ولدًا ليس منه قطعًا؛ بخلاف غير الحامل، ومالك وأحمد يشترطان الاستبراء وهو الصواب؛ لكن مالك وأحمد في رواية يشترطان الاستبراء بحيضة والرواية الأخرى عن أحمد هي التي عليها كثير من أصحابه كالقاضي أبي يعلى وأتباعه أنه لا بد من ثلاث حيض.

والصحيح أنه لا يجب إلا الاستبراء فقط؛ فإن هذه ليست زوجة يجب عليها عدة.

إلى أن قال: (32/ 112): "والمقصود هنا الكلام في نكاح الزانية، وفيه مسألتان " إحداهما " في استبرائها وهو عدتها، وقد تقدم قول من قال: لا حرمة لماء الزاني، يقال له: الاستبراء لم يكن لحرمة ماء الأول؛ بل لحرمة ماء الثاني؛ فإن الإنسان ليس له أن يستلحق ولدًا ليس منه وكذلك إذا لم يستبرئها وكانت قد علقت من الزاني. وأيضا ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشا قولان لأهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، فجعل الولد للفراش؛ دون العاهر، فإذا لم تكن المرأة فراشًا لم يتناوله الحديث. المسألة الثانية: أنها لا تحل حتى تتوب؛ وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار؛ والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق... ثم ذكر أوجه كثيرة لترجيح مذهب أحمد". اهـ. مختصرًا

و قال أيضًا "مجموع الفتاوى" (15/ 317): "فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه".

وقال ابن القيم في "زاد المعاد "(5/ 104): "وأما نكاح الزانية فقد صرح الله سبحانه وتعالى بتحريمه في سورة النور، وأخبر أن من نكحها فهو إما زان أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].

وهو سبحانه إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان، وهو العفة، فقال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، فإنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع، وما عداه فعلى أصل التحريم". اهـ.

إذا تقرر هذا فالعقد الأول باطل، ولكن العقد الثاني صحيح في قول الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لأنه تم بعد الاستبراء ووضع الحمل، والتوبة من الزنا، مع توفر شروط الزواج الصحيح، وأركانه من الولي والشهود والصيغة.

 أما كلام هذا الشيخ فخطٌ محض، ولا وجه له؛ فإن تشديد العلماء في نكاح الزانية ينحصر في أمرين، التوبة من الزنا والاستبراء أو وضع الحمل، وقد توفر هذان الشرطان في العقد الثاني، وعري عن أي محذور،، والله أعلم.    

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 6
  • 1
  • 7,564

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً