حكم الصلاة على من ذبح للضريح

منذ 2020-02-06
السؤال:

السلام عليكم . رجل ذبح عجل وذهب به الي الضريح، وأثناء ذهابه سقط من على التروسكل على رأسه ومات، ما حكم الدين وهل يجوز الصلاة عليه؟

 

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فمن المقرر في العقيدة الإسلامية أن الذبح لغير الله شرك ومن نواقض الإسلام؛ لأنه عبادة محضة لله، والذبح للمعبود هو غاية الذل والخضوع له، ولهذا كان عباد  الأصنام ومن ورثهم من عباد القبور يذبحون الذبائح لغير الله شرك، وهو أصل دين المشركين، أعني صرف العبادة لغير الله، وقد حرم سبحانه ما ذبح على النصب وهو ما ذبح لغير الله، ولعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "من ذبح لغير الله"؛ كما في الصحيح عن علي بن أبي طالب؛ كما دل على ذلك كتاب الله في غير موضع؛ قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، أي انحر لربك، وكما قال خليل الرحمن: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

وكذلك النذر لغير الله شرك أكبر، وقد أجمع أهل السُّنَّة على أنَّ سؤال الميت والغائب، أو دعاءه، أو الاستغاثة به عند الشدائد والكربات، أو الذبح أو النذر له = شرك أكبر، وأنه هو حقيقة دين المشْركين؛ كما قال – تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: 194]، وقال –تعالى -: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] وقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، ومثل هذا كثير في القرآن.

وما يفعله القبوريون مع الأولياء والصالحين هو عين ما فعله المشركون، ظنًا منهم أنهم يشْفعون لهم عند الله في قضاء حَوائجهم.

قال شيخ الإسلام تقي الدين - رحمه الله – في مجموع الفتاوى (1/125- 126) عند قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران: 80]: "فبين سبحانه: أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا كفر؛ فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكَّل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب، وتفريج الكروب وسد الفاقات= فهو كافر بإجماع المسلمين...فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادا، وفي القرآن من الرد على هؤلاء: ما لم تتسع له هذه الفتوى". اهـ.

وقال في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (2/ 60):

"... ولأن الذبح لغير الله، وباسم غيره، قد علمنا يقينًا أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام، فهو من الشرك الذي أحدثوه.

إلى أن قال (2/ 64-65): "... قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقال: هذا ذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود: فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه: باسم المسيح، ونحوه، كما أن ما ذبحناه نحن متقربين به إلى الله سبحانه كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله، فإن عبادة الله سبحانه بالصلاة له والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فكذلك الشرك بالصلاة لغيره والنسك لغيره أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، فإذا حرَّم ما قيل فيه: باسم المسيح، أو الزهرة؛ فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح والزهرة أو قصد به ذلك، أولى... فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله.

وعلى هذا: فلو ذبح لغير الله متقربًا به إليه لحرم، وإن قال فيه: بسم الله، كما يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى والكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين"(1/ 351):

"قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يعتقد أنه يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريده عبادُه منه، فإن لم يكن مالكًا كان شريكًا للمالك، فإن لم يكن شريكًا له كان معينًا له وظهيرًا، فإن لم يكن معينًا ولا ظهيرًا كان شفيعًا عنده.

فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مترتبًا، متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة، التي يظنها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه.

فكفى بهذه الآية نورًا، وبرهانًا ونجاة، وتجريدًا للتوحيد، وقطعًا لأصول الشرك وموداه لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته، وتضمنه له، ويظنونه في نوع وفي قوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثًا، وهذا هو الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن!

ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا، فقد ورثهم من هو مثلهم، أو شر منهم، أو دونهم، وتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك، ولكن الأمر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية". اهـ.

إذا تحرر لك أن الذبح للقبور أو النذر لها شرك أكبر، فلا يجوز الصلاة على من مات وهو مصرٌّ على الذبح والنذر للقبر،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 6
  • 2
  • 628

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً