هل الطلاق قرار أم قسمة و نصيب؟
فكلُّ ما يعمَلُه الإنسان لا يَخرج شيْءٌ منه عَنْ قَدَرِ الله تعالى، والطلاق من جُملة الأمور التي قدَّرها الله - سبحانه وتعالى - على خلقه قبل أن يَخلُقَهم، فلا يُمكن للإنسان أن يتزوَّج أو أن يطلق إلا بِمَنْ قدَّر الله له ذلك.
هل الطلاق قرار أم قسمه و نصيب؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فكلُّ ما يعمَلُه الإنسان لا يَخرج شيْءٌ منه عَنْ قَدَرِ الله تعالى، والطلاق من جُملة الأمور التي قدَّرها الله - سبحانه وتعالى - على خلقه قبل أن يَخلُقَهم، فلا يُمكن للإنسان أن يتزوَّج أو أن يطلق إلا بِمَنْ قدَّر الله له ذلك، ولا يُمكِنُ أن يستمرَّ الزواجُ أو الطلاق إذا كان اللَّه قدَّره، فلا يكونَ في ملك الله إلا ما قدَّره الله..
فإنَّ الله كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"؛ كما رواه مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] الْآَيَةَ.
وفي سنن أبي داود والترمذيِّ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - قال: "إنَّ أوَّل ما خلق القلم، فقال له اكتب، قال: وما أكتُبُ يا رب؟ قال: اكْتُبْ مقاديرَ كُلِّ شيءٍ حتَّى تقومَ السَّاعة.
وفي الصحيحَيْنِ وغَيْرِهِما أنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم – قال: "إنَّ أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثُمَّ يكون علقةً مثلَ ذلك، ثُمَّ يكونُ مضغة مثلَ ذلك، ثم يُرْسَلُ إليه الملكُ فينفخ فيه الروح، ويُؤْمَرُ بأربعِ كلِمات، بِكَتْبِ رِزْقِه وأَجَلِه وعَمَلِه وشقيٌّ أَوْ سعيد" .. الحديث.
وقد سُئِلَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن إسقاط الأسباب نظرًا إلى القَدَرِ فردَّ ذلك؛ كما ثبت في الصحيحَيْنِ عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: "ما منكم من أحد إلا وقد عُلِمَ مقعده من الجنَّة ومقعده من النار" قالوا: يا رسول الله، أفلا نَدَعُ العَمَلَ ونتَّكِلُ على الكِتاب؟ فقال: "لا، اعملوا فكلٌّ مُيَسَّر لِما خُلِقَ له".
بل إن أفعالِ العباد مخلوقة لله سبحانه؛ كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [الصافات: 96]، وهذا لا ينفي عمل العبد وكسبه، هو الفعل الذي يعود على فاعله بنفع أو ضر؛ كما قال تعالى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } [البقرة: 286]، فبين سبحانه أن كسب النفس لها أو عليها.
وقد حرر تلك المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في "مجموع الفتاوى" (8/ 390-391):
"خلق الله سبحانه أعمال الأبدان بأعمال القلوب، ويكون لأحد الكسبين تأثير في الكسب الآخر بهذا الاعتبار، ويكون ذلك الكسب من جملة القدرة المعتبرة في الكسب الثاني؛ فإن القدرة هنا ليست إلا عبارة عما يكون الفعل به لا محالة: من قصد وإرادة وسلامة الأعضاء والقوى المخلوقة في الجوارح وغير ذلك، ولهذا وجب أن تكون مقارنة للفعل وامتنع تقديمها على الفعل بالزمان.
وبالتمييز بين هاتين القدرتين يظهر لك قول من قال: القدرة مع الفعل، ومن قال: قبله، ومن قال: الأفعال كلها تكليف ما لا يطاق، ومن منع ذلك؛ وتقف على أسرار المقالات وإذا أشكل عليك هذا البيان فخذ مثلا من نفسك: أنت إذا كتبت بالقلم وضربت بالعصا ونجرت بالقدوم هل يكون القلم شريكك أو يضاف إليه شيء من نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصلح أن تلغي أثره وتقطع خبره، وتجعل وجوده كعدمه؟ أم يقال: به فعل وبه صنع - ولله المثل الأعلى - فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله وهو محتاج إليها لا يتمكن إلا بها، والله سبحانه خلق الأسباب ومسبباتها وجعل خلق البعض شرطًا وسببًا في خلق غيره، وهو مع ذلك غني عن الاشتراط والتسبب ونظم بعضها ببعض، لكن لحكمة تتعلق بالأسباب وتعود إليها، والله عزيز حكيم".
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: