صيام السبت والأحد
أنه قد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ((نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُصَامَ قَبلَهُ يوم، أو بعده يوم))، فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت، ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعًا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العُلَمَاءِ من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها.
السلام عليكم ورحمة الله، انا اريد ان أسأل سؤال جزاكم الله خيرا عن الصيام، فأنا ألعب رياضة، ألعب يومان وأرتاح ويوم وهكذا على مدار الاسبوع، وأريد في اليوم الذي أرتاح أن أصوم فيه، لكن بعد المرات يأتيني يوم الراحة في جمعة ومرة أخرى في السبت وأنا أعرف أنه لايجوز صيام الجمعة أو السبت أو حتى الأحد منفردا، فهل أطبق هذا البرنامج بصيامي ليوم الراحة حتى وإن كان الجمعة أو الأحد أو السبت بالصيام منفردا أو لايجوز، وجزاكم الله خيرا عنا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ورد حديث في كراهة صيام يوم السبت رواه أحمد وأصحاب السنن عن عبدَ الله بن بُسْر المازني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "لا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إلا فيما افتُرِضَ عليكم"، وقد أُعِلَّ بالمُعَارَضَةِ وباضطِرابٍ، وقال أبو داود: "هذا الحديث منسوخٌ"، ، وقال مالك: "هذا كذب"، ومعارض بأحاديث كثيرة أصح إسنادًا تدل على جواز صيام يوم السبت بمفرده أو مع غيره من الأيام.
قال الإمام أبو جعفر الطَّحَاوِي- الحنفي - في "شرح معاني الآثار": "فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرِهُوا صوم يوم السبت تطوعًا، وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يَرَوا بصومه بأسًا، وكان من الحجة عليهم في ذلك، أنه قد جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ((نهى عن صوم يوم الجمعة، إلا أن يُصَامَ قَبلَهُ يوم، أو بعده يوم))، فاليوم الذي بعده، هو يوم السبت، ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعًا، وهي أشهر وأظهر في أيدي العُلَمَاءِ من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها.
وقد أذِنَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في صَوْمِ عاشوراء وحضَّ عليه، ولم يَقُل إن كان يوم السبت فلا تَصُوموه؛ ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحب الصيام إلى الله عز وجل، صيامُ داود - عليه السلام - كان يصوم يومًا، ويُفطِرُ يومًا))، ففي ذلك أيضًا، التسوية بين يوم السبت، وبين سائر الأيام.
وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا بِصِيامِ أيَّامِ البِيضِ، ورُوِيَ عَنْهُ في ذلك عن أَبِي ذَرٍّ: ((أنَّ النبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)).
وعن عبد الملك بن قتادة بن ملحان القَيْسِي، عن أبيه، قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نصوم لياليَ البيض، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، وقال: هي كهيئة الدهر))، وقد يدخل السبت في هذه، كما يدخل فيها غيْرُه، من سائر الأيام. ففيها أيضًا إباحة صَوْمِ يَوْمِ السبت تطوعًا.
وقد يجوز عندنا - والله أعلم - إن كان ثابتًا، أن يكون إنما نُهِيَ عن صَوْمِه، لئلا يُعَظَّم بذلك، فيُمْسَك عن الطعام والشراب والجِمَاع فيه، كما يَفْعَلُ اليهود، فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه، ولا لما تريد اليهود بتَرْكها السعْيَ فيه، فإن ذلك غير مكروه ". اهـ. مُخْتَصَرًا.
وذهب شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة إلى جَوَازِ صيام يوم السبت ولو من غير سبب، وهو رواية عن الإمام أحمد قال في "الفتاوى الكبرى": "ولا يُكْرَهُ إفْرادُ يَوْمِ السبت بالصَّوْمِ، ولا يجوز تخصيص صَوْمِ أَعْيَادِ المشركين، ولا صَوْمِ يوم الجمعة، ولا قيام ليلتها". اهـ.
وقال ابن مفلح في "الفروع" (3/92): "وكذا - أي يُكْرَهُ - إفراد يوم السبت بالصوم عند أصحابنا لحديث عبدالله بن بسر ... إسناده جيد ... ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تَشَبُّه بهم، قال الأثرم: قال أبو عبدالله: قد جاء فيه حديث الصَّمَّاءُ، وكان يحيى بن سعيد يتقيه، وأبَى أن يُحَدِّثَنِي به، قال الأثرم: وحجة أبي عبدالله في الرُّخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مُخَالِفَة لحديث عبدالله بن بسر، منها حديث أم سَلَمَةَ، يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم السبت والأحد ويقول: ((هما عيدان للمشركين فأنا أحب أن أخالفهما))؛ رواه أحمد والنَّسائي وصححه جماعة وإسناده جيد واختار شيخنا - أي ابن تيمية - أنه لا يكره وأنه قَوْلُ أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأنه لو أريد إفراده لما دخل الصوم المفروض ليستثنى، فالحديث شاذ أو منسوخ، وأن هذه طريقة قدماء أصحاب أحمد الذين صحبوه، كالأثرم وأبي داود، وأن أكثر أصحابنا فَهِمَ من كلام أحمد الأخذ بالحديث، ولم يذكر الآجري غير صوم يوم الجمعة؛ فظاهره لا يكره غيْرُه". اهـ.
وكذلك يجوز صيام يوم الأحد، لعدم وجود ما يدل على المنع.
أما صيام يوم الجمعة فقد سبق النهي عن صيامه،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: