ادعو الله ولا يستجاب لي
ادعو الله كثير ولم يستجب لى علما انى فى كرب شديد وضيق رزق اكثر من عام ادعو الله ومحافظ على الطاعات من صلاه وصدقه وصيام تطوع
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالدعاء هو إخلاص القلب لله، والثقة بالاستجابة مع عدم اقتراح صورة معيَّنة لها، أو تَخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، فالتوجُّه للدعاء هو محض فضل وتوفيق مِن الله تعالى، والاستجابة فضل آخر، والله تعالى حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فهما مُتوافقان مُتطابقان.
قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
فالتوجه إلى الله بالعبادة، ودعاؤه والتضرع إليه، مما يشفي الصدور من الكبر الذي تنتفخ به، والله- سبحانه- يفتح لعباده أبوابه لنتوجه إليه وندعوه، وقد كتب على نفسه الاستجابة لمن يدعوه، وينذر الذين يستكبرون عن عبادته بما ينتظرهم من ذل وتنكيس في النار؛
وعلى العبد أن يدعو ربه ولا يستعجله، فهو سبحانه يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم وهو الغني عن العالمين.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستعجال ففي الصحيحَين عن أبي هُرَيرة: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، فيقول: قد دعوتُ فلا، أو فلم يُستجَب لي"، وفي رواية لمسلم: "لا يَزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجِل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء"، وقوله: "فيَستحسِر"؛ أي: يَنقطع عن الدعاء.
فاستجابة الله تعالى لمن دعاه أمرٌ مِن وعد الله الذي لا يتبدَّل، ولكن الاستجابة تتنوَّع، فتقع بعين ما دُعِي به، أو بعوضه، أو بادِّخار الأجر، وقد يَختار الله تعالى له برحمته القائمة على الحكمة غير ما سأل، فيَدفع عنه من البلاء، وقد يدَّخر له في الآخرة الأجر والثواب، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم وأهليهم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث؛ إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: "الله أكثر"؛ رواه أحمد والحاكم.
ولكنَّ الإنسان خُلق عَجولًا يُبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، ويُريد تحقيق كل ما يخطر له وإن كان فيه هلاكه، أو ضرره وإيذاؤه، ولما كان الله تعالى يعلم ما يصلح لعبده كان الواجب على العبد أن يوكل الأمر كله لله فلا يتعجَّل قضاءه، فالإيمان ثقة وصبر واطمئنان، ولا يقطع رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحبُّ الملحين في الدعاء؛ لأنه من أعظم العبادة؛ لما فيه من الخضوع والافتقار، فكلُّ داعٍ يستجاب له ولكن تتنوع، والله تعالى أمرَنا أن ندعو الله - ونحن موقنون بالإجابة - وأن نحزِم المسألة؛ لأن الله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قديرٌ، ولكنَّ الدعاء - وإن كان من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب - إلا أنه قد يتخلفُ عنه أثرُه؛ إما لضعفِه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبُّه الله؛ لِمَا فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيَّته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرِّخو جدًّا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذُّنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة، والسهو، واللهو، وغلبتها عليها.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: