رقص الزوجة مع رجال اجانب
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته لقد وصلني قبل ايام صور لزوجتي ترقص في حفل مع رجال اجانب نصارى. ما حكم الشرع و الاسلام? وهل طلب الطلاق جائز و مبرر في هذه الحالة ? شكرا و جزاكم الله خيرا
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن كان الحال ذكرت أنه وصلك رسائل لزوجتك وهي ترقص مع رجال كفار، وكنت متأكدًا من هذا فيباح لك أن تطلق زوجتك؛ لأن ما قامت به يدل على أن الفساد متأصل في قلبها، فما قامت به من المنكرات التي يُعلم قبحها بالبداهة العقلية والشرعية التي لا تحتاج إلى إقامة برهان، فالفطرة السليمة تدرك حرمة هذه المنكرات التي لا تكاد تشتبه على مسلم سليم الحسِّ.
فلا يجوزَ لها مطلقًا أن تكونَ المرأة على علاقة مع رجال أجانبَ عنها؛ فقد كان من شأن الجاهلية الأولى اتِّخاذ الصديقات؛ فأَبْطَلَ ذلك الإسلامُ؛ كما قال الله تعالى: {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25].
والأَخْدَانُ: الأصدقاء والصديقات؛ فقال سبحانه في خصوص النساء: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، وفي خصوص الرجال: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].
والواجبُ عليك أن تأمرَ زوجتَك بقَطْع تلك العلاقات فورًا، وأن تتوب إلى الله، وأن تبتعد عن تلك المحرمات، ورغبها في الخير وخذ بيدها للطاعة؛ فأنت مسؤول عن تقويم دينها، فالزوج هو رئيس البيت، وأول واجبات رب الأسرة السعي في تهذيب الزوجة؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وفي "الصحيحين" عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته"، فإن لمست منها ندم وانكسار فلا بأس من الاستمرار معها.
ولكن إن أَصَرَّتْ أو لم يظهر عليها علامات الندم، أو شعرت منها بعدم المبالاة، فلا بديلَ مِن طلاقها؛ حتى لا توقعك فيما نُهى عنه؛ فإن الرجل الحقيقي يغار على زوجته، ولا يرَضِي لزوجته ما هو أقل من الرقص مع الرجال الأجانب؛ وعدم الْغَيْرَةِ على الأهل والمَحَارِم من الدِّياثةُ.
فالغيرةُ مِن الغرائز البشرية المحمودة التي أودَعَهَا اللهُ في الإنسان، وتَظهَر كلَّما أحسَّ شركة الغير في حقِّه، ومَن لا يغار فقلبُه مَنكوسٌ لا خيرَ فيه، وهي مِن الأخلاق التي يحبُّها الله، فأقوى الناس دينًا أعظمُهم غَيرةً، وفي الصحيحين قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ".
وفي الصحيح أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ؛ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ".
فالشريعةُ الإسلامية جاءتْ بما يُلائم فطرة الإنسان، ووضعت ضوابط للعلاقاتِ بين الجنسين، وحرَّمت أي علاقة بين رجلٍ وامرأةٍ، إلا في ظلِّ زواج شرعيٍّ، فلا يصحُّ أيُّ علاقة بين الجنسين إلا لحاجة، وإن دَعَت الحاجةُ لمُخاطَبة الآخَر فيكون في حدود الأدب والأخلاق؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].
ولا شك أنَّ مَن رَضِي لزوجته الرقص مع الرجال الأجانب فهو لا يغار على عِرضِه، وهذا من الدياثة التي لا يَدخُل صاحبها الجنة؛ فقد روى البيهقيُّ في شُعَبِ الإيمان عن عمَّارِ بنِ ياسرٍ رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الديُّوث من الرِّجال...)) الحديث، وقد عُرِّفت الدِّياثةُ بألفاظٍ مُتقاربة يجمعها معنًى واحدٌ وهو: عدم الْغَيْرَةِ على الأهل والمَحَارِم،، والله أعلم.
- المصدر: