الجلوس في مجلس فيه معصية
السلام عليكم ورحمه الله و بركاته، في بيتنا عادة ما يكون فيه معاصي مثل الغيبة و الدخان و المسلسلات و علمت أنه لا يجوز الجلوس في هذه المجالس فأقوم باعتزال هذه المجالس بمكان خاص بي و لكن في مرات يأتي إلي في هذه المكان من أهلي من يدخن فهل يجب علي مفارقة هذا المكان أيضاً علما أني إذا أردت ذلك فعلي أن أخرج من المنزل و في بعض الأحيان يكون الأمر صعب بسبب البرد فأرجو منكم النصيحة ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:فما يذكره الأخ السائل مما عمّ به البلوى في المجتمعات الإسلامية، فلا يكاد أسرة أو منزل تخلو مما ذكره الأخ السائل، وهذا يوجب على المسلم الملتزم بشرع الله تعالى أن يتسلح بالصبر واحتساب الأجرَ عند الله تعالى؛ فعاقبةُ الصبر - دائمًا - إلى خير، وما أُعطِيَ المسلم عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن يَتَصبَّرْ يُصبرْه الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر".
فنحن في زمانٍ القابضُ فيه على دينِهِ كالقابض على الجمر، فأكثر من التوجُّه إلى من يُجِيبُ المضطَّر إذا دعاه، ويكشف السوء أن يصلح أسرتك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر بحكمة وهدوء ولطف، مع استعمال الرفق، واللين، والقول الحسن، والموعظة الجميلة, والأسلوب الراقي، وعدم استعداء من نأمره وننهاه، وإشعارُهُ بهذا؛ ليقبل منا، ويأخذ عنا، فإذا قمتَ بهَذَا فلا يضرُّك بعد ذلك مَن رَفَضَ قولَكَ، أو نَفَرَ عنك؛ قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى منكم منكرًا فلْيُغيِّره بيده، فإن لم يَستطِع فبلسانه، فإن لم يَستطِع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان))؛ رواه مسلم.
الشيخ زكريا في أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4 / 180) حيث قال: "(والإنكار) للمنكر أخذًا من الخبر السابق (يكون باليد، فإن عجز فباللسان)، فعليه أن يُغيِّره بكل وجه أمكنه، ولا يكفي الوعظ لمن أمكنه إزالته باليد، ولا كراهة القلب لمن قدر على النهي باللسان، (ويرفق) في التغيير (بمَنْ يخاف شرَّه) وبالجاهل؛ فإن ذلك أدعى إلى قبول قوله وإزالة المنكَر، (ويستعين عليه) بغيره (إن لم يخَفْ فتنة) من إظهار سلاح وحرب ولم يُمكنه الاستقلال، (فإن عجز) عنه (رفع) ذلك (إلى الوالي، فإن عجز) عنه (أنكره بقلبه)" اهـ.
ولكن إن غلَب على ظنِّك أنَّ تغيير المنكر سيؤدي إلى منكر أعظم منه سقط الأمر عنك، وعندها تُنكر عليه باللسان، وعليكَ تحري الأسلوب الحكيم في ذلك، ومراعاة آداب الإنكار وشروطه.
فإن من رحمة الله تعالى أن جَعَلَ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر واجبًا على كل مسلمٍ حَسَبَ وُسْعِهِ، وطاقَتِهِ، وعلمِهِ؛ قال تعالى: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 233]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104], فأوجب اللهُ أن تكون مجموعة من الأمة متصديةً لهذا الشأن, وإن كان ذلك واجبًا على كُلِّ فَرْدٍ من الأمة بِحَسَبِهِ؛ كما في الصَّحيحِ عن عبدالله بن مسعود أن رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ؛ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ))؛ رواه مسلم، والتغيير بالقلب هو أضعفُ الإيمان، وهو ما يجده المؤمن في قلبه من البغض للمنكرات، وقلق منها.
أما ترك مكان المعصية، فيرجع إلى تغليب المصلحة عن المفسدة، فإن كان في خروجك من المنزل تضيع للوقت، أو تعرضك للبرد أو غير ذلك، فلا تخرك، لا سيما وأن شرب الدخان أصبح من الأمور التي يصعب الاحتراز منه، فهو منتشر في المنزل والعمل والمواصلات وغيرها، والقاعدة الشرعية أن الأمر إذا ضاق اتسع، والمشقة تجلب التيسير،، والله أعلم.
- المصدر: