هل مشاهدة افلام اللواط كفاعلها وهل هي من الكبائر

منذ 2021-02-14
السؤال:

انا شاب عمري 26 سنة مبتلي بالشهوات وانا نادم وأريد التوبا وانا مدمن على مشاهدة مواقع إباحية فيها لواط وأمارس العادة السرية انصحني ياشيخ وهل عليا ان أزور طبيب نفسي لاني اخاف ان اكون شاذ والعياذ بالله ام عليا ان اتوب واستر على نفسي

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإنَّ مُشاهدة المواقع الإباحية مُحَرَّمٌ مِنْ كلِّ وجهٍ، وتفتح أبواب الشرِّ على مِصراعيها حتى تطلبَ النفس فعل الفاحشة الكبرى، وهو مِن هذا الوجه قد يَصِلُ إلى حد الكبائر أو يزيد، فالإصرار على الصغيرة يقلبها كبيرة.

أما العلاج الناجع لتلك الأفعال المشينة فالتوبة الصادقة، والاستغفار، والندم والعْزم الجازم على عدم العودة، فمن تاب قبل الله منه، ولو عاد فعليه أن يتوبَ مرة أخرى فذُنُوبُ العبد وإنْ عظُمَت وتكررت فإنَّ عفوَ الله ومغفرته أعظمُ، وقد بشر عباده أنه يغفر جميع الذنوب لكل من تاب من الشرك والكفر والكبائر؛ قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

 ومن حكمة الله تعالى أن خلى الله بين العبد وبين الذنب، وأقدره عليه وهيئ له أسبابه، وأنه لو شاء لعصمه وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة، منها أنهم يطلبوا عفوه ومغفرته فيغفر لهم؛ كما روى مسلم "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم".

أما مشاهدة أفلام اللواط فليست كفعل اللواط، ولكن الإصرار على المشاهدة يحولها من صغيرة إلى كبيرة.

هذا؛ ومما يُعين على التخلُّص مِن الدُّخول على تلك المواقع أمور منها:

الفرار إلى الله، والجد في الهرب إليه، منطرحًا على بابه متضرعًا متذللاً، خاشعًا باكيًا آسفًا، متذكرًا عطفه وبره ولطفه ورحمته، ورأفته وإحسانه وجوده وكرمه، مع غناه وقدرته، فسبيل التوبة مفتوح دائما لكل من قصده، وسعة رحمته وسعت كل شيء؛ وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي".

ومنها: استحضار العقل، وإعمال الفكر، وعدم الاسترسال مع تغيبه عند غلبة الشهوة التي تغطِّي عين الفكر، فلا يُفكِّر في عواقب الأمور، والتي منها شُؤم المعصية، وتلك الوحشةُ الرهيبة في القلب بعد ارتكاب المحرَّم.

إنما فضل العقل بتأمُّل العواقب؛ فأما القليلُ العقل فإنه يرى الحال الحاضرة، ولا ينظر إلى عاقبتها، فإن اللصَّ يرى أخْذَ المال، وينسى قطْعَ اليد، والبَطَّال يرى لذة الراحة وينسى ما تجني من فوات العلم وكسب المال، فإذا كبر فسُئل عن علمٍ لم يدرِ، وإذا احتاج سأل فذل، فقد أربى ما حصل له مِن التأسف على لذَّة البطالة، ثم يَفُوته ثواب الآخرة بتَرْك العمل في الدنيا.

وكذلك شارب الخمر يلْتَذُّ تلك الساعة، وينسى ما يَجني من الآفات في الدنيا والآخرة، وكذلك الزنا فإن الإنسانَ يرى قضاء الشهوة، وينسى ما يَجني من فضيحة الدنيا والحدّ؛ قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 486).

منها: المُواظَبة على ما يَعْتَصِم به من الشيطان ويَطْرُده، ويستدفع شره ويحترز؛ كآية الكرسي، فمَن قرأَها عند النوم لم يَقرَبْه شيطان، وأنَّ مَن قرأ الآيتين مِن آخر سورة البقرة كفتاه، والمداومة على قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مائة مرة صباحًا ومساءً، فمَن قالَهنَّ كانتْ له حِرْزًا مِن الشيطان يومه كله، ومن أعظم ما يندفع به شره قراءة المعوذتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، مِنْ هَمْزِه ونَفْخِه ونَفْثِه))، وأول الصافات وآخر الحشر.

ومنها: العمل على زيادة الإيمان بالمُواظَبة على الأعمال الصالحة؛ فالإنسانُ لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعَل مكروهات الحق فلِضَعْف بعضها في قلبه، أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسانُ لا يأتي شيئًا مِنَ المُحَرَّمات كالفواحش ما ظهَر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله مالم ينزلْ به سلطانًا، والقول على الله بغير علمٍ - إلا لِضَعْفِ الإيمان في أصله، أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصلُ الإيمان صحيحًا وهو التصديقُ، فإنَّ هذه المحرَّمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبُغْضِه لها، فهو إذا فَعَلها لغلبة الشهوة عليه فلا بد أن يكونَ مع فعلها فيه بُغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلصَ مِن عقابها، إما بتوبةٍ، وإما حسناتٍ، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها، ولم يخف الله فيها، ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنًا بحال، بل هو كافر أو منافق"؛ قاله شيخ الإسلام في قاعدة في المحبة (ص: 104).

ومنها: مُراقبة الله تعالى، وهو مقامُ الإحسان، أعلى مراتب الدين، فإن عجزت عنه فالمقام الوسط، وهو مقامُ الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان: ((أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك))، فتيقُّن العبدِ باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه وأنه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين، فمَن راقَب الله هكذا عصمه الله مِن الوقوع في الحرام.

ومنها: أنَّ المؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ما يحبه الله ورسوله، وينهى عما يبغضه الله ورسوله، ومن لم يؤمنْ بالله واليوم الآخر فإنه يتبِع هواه، فتارةً تغلب عليه الرأفةُ هوى، وتارةً تغلب عليه الشدة هوى، فيتبع ما يهواه في الجانبين بغير هدى من الله؛ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50]، فإنَّ الزنا من الكبائر، وأما النظر والمباشرة فاللَّمَم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أَصَرَّ على النظر، أو على المباشرة، صار كبيرة، وقد يكون الإصرارُ على ذلك أعظم مِن قليل الفواحش، فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العِشق والمعاشَرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنًا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاءُ في الشاهد العدل: ألا يأتيَ كبيرةً، ولا يصرَّ على صغيرة، وفي الحديث المرفوع: ((لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار))، بل قد ينتهي النظرُ والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة: 165]، ولهذا لا يكون عِشْقُ الصور إلا مِن ضَعْف محبة الله، وضعف الإيمان، والله تعالى إنما ذكَرَهُ في القرآن عن امرأة العزيز المُشركة، وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيَّم يصير عبدًا لمعشوقه، منْقادًا له، أسير القلب له؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (15/ 292-293).

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 46
  • 4
  • 82,772

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً