أخاف على حياتي الزوجية من الماضي

منذ 2021-04-03
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انا في الثلاثين من عمري ومنذ عشر سنوات ابتليت بمعصية التحدث مع الشباب وارسال الصور لهم والفيديو لم اكن اعلم مدى حرمانية هذا الفعل ولكن قبل ثلاث سنوات شعرت بالخوف عدت الى الله وتبت عن هذه الافعال جلست اقرأ كل يوم سورة البقرة والمعوذات والاذكار عسى ان يغفر لي الله ويستر علي بعدها تزوجت وانجبت طفل ولكن عاد لي الخوف من خسارة زوجي وبيتي وان يعود شي من الماضي اني احبه ومخلصه له ولكنه غيور و أخاف ان اخسره واخسر عائلتي دلني على دعاء أحفظ به نفسي و زوجي

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أما بعد:

الحمد لله الذي من عليك بالتوبة والعودة إلى الله تعالى، ولمحافظة على العمل الصالح، فالله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا يكبر عليه عيب أن يستره، كما قال عز وجل في حق التائبين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53]، وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].

فأحسني الظن بالله سبحانه وتعالى، فالله تعالى حيٌّ كريم ستير، ومحسن وودود وصبور شكور، يطاع فيشكر ويعصى فيغفر ويستر، لا أَحد أصبر على أَذى سمعه منه سبحانه، ولا أحب إليه العذر منه، ولا أحد أحب إليه الإحسان منه، شكور يحب الشاكرين، ويغفر لمن تاب ولو بلغت ذنوبه عدد الآمواج والحصى والتراب والرمال، وضمن الكتاب الذى كتبه إن رحمته تغلب غضبه، وهو سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه من يلقي في قلب عبده الاطمئنان والسكينة، ويشرح صدره للتوبة والعمل الصالح.

فكوني على يقين أن التائب مِن الذنب كمَن لا ذنب له، كما صحَّ عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فدعي عنك تلك الوساوس الشيطانية، واطوي تلك الصفحة وأحسني الظن بالله تعالى؛ ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي"، يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به، ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته، ويستره فهو الستير سبحانه ويحب الستر، فمن رجا رحمة الله وظن أنه يستره ستره؛ لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربًا يجازي بالذنب، ويقبل التوبة، بخلاف من يئس من رحمة الله فساء ظنه، فالمسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات، فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه.

إذا تقرر هذا، فاعلمي أن العبرة في كل إنسان بما عليه الآن وليس بما كان عليه سابقًا، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في "منهاج السنة النبوية" (2/ 429-433): "والإنسانُ يَنتقل مِن نقصٍ إلى كمالٍ، فلا يُنظر إلى نقص البداية، ولكن يُنظر إلى كمال النهاية... إلى أن قال: ولهذا قال بعضُ السلَف: (إن العبدَ ليفعل الذنب فيَدْخُل به الجنة

وإذا ابتُلِيَ العبدُ بالذنب، وقد علم أنه سيتوب منه ويتَجَنَّبه، ففي ذلك مِن حكمة الله ورحمته بعبده: أن ذلك يَزيده عبوديةً وتواضعًا وخُشوعًا وذلًّا، ورغبةً في كثرة الأعمال الصالحة، ونفرةً قويةً عن السيئات؛ فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُلدغ المؤمن مِن جحر مرتين"، وذلك أيضًا يدفع عنه العُجب والخُيلاء، ونحو ذلك مما يعرض للإنسان، وهو أيضًا يُوجب الرحمة لخلْقِ الله، ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا، وترغيبهم في التوبة... وقد تكون التوبةُ موجبةً له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله (تائبًا) مِن الذنب؛ كما في الصحيحين من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، وهو أحد الثلاثة الذين أنزل الله فيهم:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، ثم قال: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]، وإذا ذُكِرَ حديثُ كعب في قضية تَبيَّن أن الله رفَع درجته بالتوبة، ولهذا قال: فوالله ما أعلم أحدًا ابتلاه الله بصدق الحديث أعظم مما ابتلاني.

وكذلك قال بعضُ مَن كان من أشدِّ الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسُهيل بنِ عمرو، والحارثِ بن هشام، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان مِن أشد الكفار هجاءً وإيذاءً للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما تاب وأسلم كان مِن أحسنَ الناس إسلامًا، وأشدهم حياءً، وتعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحارث بن هشام، قال الحارث: ما نطقتُ بخطيئة منذ أسلمتُ". مختصرًا.

فاستَعِيني بالله، واقطعْي تلك الخطرات والوساوس الشيطانية، وكوني على يقين من كرم الله وجوده وستره، وابشري بالخير فإن عاقبة الاستقامة الذكرُ الحسن، والثناء الجميل، وليس هتك الستر والفضيحة، كما روي من حديث أبي ذر أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن".

وأكثر مِن فعل الطاعات والأعمال الصالحة، فالحسناتُ ماحياتٌ للذنوب؛ كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114، 115]، وقال صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس، والجمعةُ إلى الجمعةُ، ورمضان إلى رمضان، مُكفراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر"، رواه مسلم، وقال: "مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبِه"، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جدًّا،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 14
  • 2
  • 7,522

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً