مسالة تكفير المعين
السلام عليكم بخصوص مسألة تكفير المعين. فمثلا سب الله او الرسول كفر . فهل يجب الاقرار بان الفعل كفر او ان نكفر المعين و هل سب الله او الرسول من المسائل التي يجب فيها اقامة الحجة و تحقق الشروط و انتفاء الموانع حتى نحكم بكفر المعين ام لا و اذا كان لا فهل ياثم من لم يكفر المعين او يصل به الامر الى درجة الكفر استنادا الى "من لم يُكفّر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر" المرجو التوضيح فاني اخاف ان اكفر شخصا بغير علم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن مسألة تكفير المعين إذا تكلم بكلمة الكفر مما أجمع عليه أئمة الإسلام، وقد أطال الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه "الفصل" (3/199-206) وذكر أدلة صريحة من الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الكفر يقع بمجرد النطق بالكلام المكفر، وبمجرد فعل مكفر، ومن تلك الأدلة قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[النحل:106-107]، قال شيخ الإسلام كما في كتاب "الإيمان"(ص: 174): "وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهي كفر"، وقال الصنعاني كما في "تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"(ص: 65): "قد صرَّح الفقهاء في كتب الفقه في باب الرِّدة أنَّ مَن تكلَّم بكلمة الكفر يَكفر وإن لَم يقصد معناها"، وذكر الإمام ابن نجيم الحنفي: "أنه من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده".
وقوله سبحانه وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:65-66].
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (10/ 64): "حقيقتها ـ الردة ـ وهي قطع الإسلام ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس... وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناء أو استهزاء". اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 524): "فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالماً بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهرًا وباطنًا، ولا يجوز أن يُقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام؛ قال الله سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106], فعُلم أنه أراد: من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك إلا من أُكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضًا، فصار كل من تكلم بالكفر كافرًا إلا من أكره، فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وقال تعالى في حق المستهزئين: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]، فبيّن أنهم كفار بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعلٍ فيه استهانةٌ واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم". اهـ.
وقال أبو محمد ابن حزم في "المحلَّى بالآثار" (12/ 438): "كلُّ مَن سبَّ الله تعالى، أو استهزأ به، أو سبَّ ملكًا مِن الملائكة، أو استهزأ به، أو سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء، أو استهزأ به، أو سبَّ آيةً مِن آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها، والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافرٌ مرتدٌّ، له حكم المرتد". اهـ.
وقال في "الفصل" (2/246): "كل من ينطق بالكلام الذي يحكم لقائله عن أهل الإسلام بحكم الكفر، لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً: فقد شرح بالكفر صدراً ". اهـ.
وقال الإسلام محمد بن عبد الوهاب، في "كشف الشبهات" (ص: 56): "فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه اللعب والمزاح، تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ويعمل به خوفاً من نقص مالٍ، أو جاهٍ أو مداراة لأحد، أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها... ثم قال بعدما ذكر آية سورة النحل: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحةً بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره.
إذا تقرر هذا، فالحكم على الشخص المعين بالكفر إذا تكلم بالكفر، أو عمل به، مما أجمع عليه العلماء، وأن الله تعالى لم يستثن إلا المكره، وكذلك نصّ العلماء على إعذار الجاهل في المسائل الخفية مثل مسائل الأسماء والصفات، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمة في إعذار جاهل الصفة كالجهمية، وحكايته ذلك عن الإمام أحمد أشهر من أن يذكر، بل هو أشهر من نارٍ على علمٍ.
أما قاعدة من لم يكفِّر الكفار فهو كافر، فهي مما أجمع عليها علماء المسلمين قديمًا وحديثًا؛ لأن من لم يكفر الكفار المقطوع بكفرهم بنصِّ القرآن والإجماعِ، فقد كذّب بالقرآن والسنة، رد النصوص والإجماع، وقد أجمع العلماء على كُفر من لم يكفر الكافر الأصلي، كاليهود والنصارى وأعداء الإسلام ممن ينتمون للمذاهب الباطلة كالشيوعية والعلمانية وغيرهم.
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى": (2 / 367 – 368 ) عن فصوص الحكم لابن عربي وغيره من المشركين، فقال: "أقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى؛ ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه ولهذا يلبسون على من لم يفهمه؛ فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم، ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين". اهـ.
فاشترط رحمه الله لتكفير من لم يكفرهم: معرفة حقيقة قولهم وحالهم، ومعرفة دين الإسلام أي الأدلة على كفرهم.
وقال أيضًا (2 / 132- 133) في معرض كلامه عن النصيرية: "ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لم يعرف حالهم، كما التبس أمر القرامطة الباطنية لما ادعوا أنهم فاطميون وانتسبوا إلى التشيع، فصار المتبعون مائلين إليهم غير عالمين بباطن كفرهم، ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين: إما زنديقاً منافقاً، وإما جاهلاً ضالاً". اهـ.
وقال ابن تيمية (35/ 162) عن الدروز: "كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين؛ بل هم الكفرة الضالون". اهـ.
وقال في كتابه "الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 586):
"أما من اقترن بسبِّه دعوى أن عليًا إله، أو أنه كان هو النبي وإنما غلط جبريل في الرسالة، فهذا لا شك في كفره، بل لاشك في كفر من توقف في تكفيره". اهـ.
وقال محمد بن سحنون وهو من علماء المالكية كما في كتاب "الشفا" (2/476) للقاضي عياض: "أجمع العلماء أن شاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - المنتقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر". اهـ.
وقال العلامة سليمان بن عبدالله في رسالة "أوثق عري الإيمان" (1 / 160)، في معرض كلامه عن القبوريين: "إن كان شاكًا في كفرهم، أو جاهلاً بكفرهم، بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد، فإنه كافر بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر". اهـ.
قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 70): "مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ". اهـ.
وعليه فهذه القاعدة صحيحة ولكن في الكفر المجمع عليه، كسب الله سبحانه أو سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو الاستهزاء بشعائر الإسلام، أو جحدِ ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، فمن لم يكفر من ارتكب هذا النوع من النواقض، فهو كافر مثله،، والله أعلم.
- المصدر: