معاشرة أب كافر و متعصب
السلام عليكم و رحمة الله ، انا فتاة في الاربعين من العمر عزباء ، المكان الذي أعيش فيه النصف لا يؤمنون و لا يطبقون الشريعة ، تبت لله حديثا و الحمد لله، لكن لا أستطيع لبس الحجاب من أجل والدي الذي لا يؤمن و يكره الاسلام، حتى أنه بدأ يبحث من أين أتتني فكرة التوبة ليبعدني عن الدين، كل يوم يشتمنا و يعايبنا أننا ضعفاء ، أنه أبدا لن يرضى بهذه التصرفات في بيته ،حتى انه ان رآني لابسة فساتين يعتبرها تبرج، إذا انا دائما مضطرة اللبس لبنطلون و اتشبه للرجال، أخاف من الله و كل يوم أدعو أن يهدي والدي، ماذا افعل؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحمد لله الذي منّ عليك بالتوبة، نسأل الله لنا ولك الثبات على الحق حتى نلقاه سبحانه،،
أما وجودك في هذا المكان الذي لا تَتَمَكَّنِينَ فيه من إظهارِ دينك، ولا لبس الحجاب الشرعي، فيوجب عليك ترك ذلك المكان، أو الهجرةِ إلى بَلَدِ آخر تتمكنين في من عبادة الله - كما نصّ عليه أهلُ العلم - بشرط أن تأمني على نفسِكِ؛ فدينُ المرء أغلى ما يملِكُ، وأولى ما تَجِبُ المحافظةُ عليه، ويتعين هذا إذا كنت في مكان لا تستطيعين فيه عبادة الله، أو تخشَيْنَ من الفتنة، والانحراف، فإن عليكِ الفرارَ بدينِكِ إلى مكانٍ تَنجِينَ فيه من الفتن، وتأمَنِينَ على نفسِكِ من الهلاك؛ فالسلامةُ لا يعدِلُها شيءٌ، والفرارُ إلى الله - تعالى - هو عينُ السلامَةِ.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 39) عند شرح حديث: ((لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِن جِهَادٌ، وَنِيَّةٌ)):
"وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ - انْقَطَعَتْ، إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ؛ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ".
وقال ابن قدامة في "المغني" (9/ 294):
"فَالنَّاسُ فِي الْهِجْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أَحَدُهَا، مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ إظْهَارُ دِينِهِ، وَلَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ وَاجِبَاتِ دِينِهِ مَعَ الْمُقَامِ بَيْنَ الْكُفَّارِ، فَهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] . وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِوَاجِبِ دِينِهِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْهِجْرَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاجِبِ وَتَتِمَّتِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
الثَّانِي: مَنْ لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْهَا، إمَّا لِمَرَضٍ، أَوْ إكْرَاهٍ عَلَى الْإِقَامَةِ، أَوْ ضَعْفٍ؛ مِنْ النِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ، وَشِبْهِهِمْ، فَهَذَا لَا هِجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} [النساء: 98] {فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99]، وَلَا تُوصَفُ بِاسْتِحْبَابٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا.
وَالثَّالِثُ: مَنْ تُسْتَحَبُّ لَهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إظْهَارِ دِينِهِ، وَإِقَامَتِهِ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَتُسْتَحَبُّ لَهُ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْ جِهَادِهِمْ، وَتَكْثِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعُونَتِهِمْ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْثِيرِ الْكُفَّارِ، وَمُخَالَطَتِهِمْ، وَرُؤْيَةِ الْمُنْكَرِ بَيْنَهُمْ.
وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ وَاجِبِ دِينِهِ بِدُونِ الْهِجْرَةِ؛ وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقِيمًا بِمَكَّةَ مَعَ إسْلَامِهِ". اهـ.
أما إن كنت لا تستطيعين مغادرة منزل الوالد، فلا يجب ذلك، ولكن عليك المحافظة على دينك، واستعيني بالله واصبري وأكثري من الدعاء بالثبات،، والله أعلم
- المصدر: