حكم صيام كبير السن
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته لدي سؤال حول صيام والدتي التي تباغ من العمر 84 عاما وتسكن في بريطانيا كما انها تعاني من ضرر في الكليتين من الدرجة الاولى. شيخنا الفاضل انها تصر على انها قادرة على الصيام ولكن ساعات الصيام طويلة في بريطانيا وكليتيها متضررة. نرجو منكم افتائنا وجزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن التيسير ورَفْع الحرج من قواعد الشريعةُ الإسلامية السمحة، وأنَّ المشقة تجلب التيسير، وأنَّ الضرر يُزال، فلم يُكَلِّفْنا الله مِن أمرنا عُسرًا، فيسقط كل ما عجَز المسلم عنه، ولا يجب إلا ما كان في الإمكان.
فرخص الله تعالى في الفطر للكبير الذي لا يقوى على الصوم؛ قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "نزلتْ رخصةً للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعانِ الصيام، فيُطْعِمان مكانَ كلِّ يومٍ مسكينًا"؛ رواه البخاري.
قال النووي في المجموع (6/262) :
"قال الشافعي والأصحاب: الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم أي يلحقه به مشقة شديدة , والمريض الذي لا يرجى برؤه لا صوم عليهما بلا خلاف , ونقل ابن المنذر الإجماع فيه , ويلزمهما الفدية أصح القولين" اهـ.
وقد اتفق أهل العلم على أن الصيام يَسْقُط بالعجز؛ قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]، وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، وقال: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78].
كما أن المريض الذي يَلحقها ضرر بسبب الصيام، أو يزداد مرضه، أو يشق معه الصوم، أو تخشى زيادته، أو تباطؤ برئه بالصوم، فإنه يفطر؛ وتقدير ذلك إلى المريض نفسه، أو إخبار الطبيب؛ قال الله تعالى {مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 184]، والمرضُ الَّذي لا يُرْجى زوالُه - إلا أن يشاءَ الله - ويعجِز فيه المريض عن الصَّوم - فيفطر ويطْعِم عن كل يومٍ أفطَرَه مسكينًا.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 155)-: "أجْمَع أهلُ العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والمرضُ المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم، أو يخشى تباطؤ بُرئه.
قيل لأحمد متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع، قيل: مثل الحمى؟ قال وأي مرض أشد من الحمى".اهـ.
وقال الإمام النووي في – "المجموع شرح المهذب" (6/ 258)-:
"المريض العاجز عن الصوم لمرض يرجى زواله، لا يلزمه الصوم في الحال، ويلزمه القضاء، هذا إذا لحقه مشقة ظاهرة بالصوم، ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر، أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها، قال أصحابنا: وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة، لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا". اهـ. مختصرًا.
وعليه، فإن كان حال والدتك كما ذكرت فيباح لوالدتك الفطر، ويجب إن كان يلحقها ضرر بالصوم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]، والله تعالى نهانا عن إهلاك أنفسنا؛ فقال سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]،، والله أعلم.
- المصدر: