كيف يستجيب الله لنا مع وجود المنكر
هناك حديث يقول (...ثم تدعون فلا يستجاب لكم) او (...ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لكم) اذا ما العمل و انا بالفعل اشعر بذلك رغم أن الله و عد بالاستجابة و لكن شرط الله المذكور فى الحديث لا يعمل به، فكيف سيستجيب الله لنا؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فالحديث المشار إليه رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن عليكم قومًا، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
والحديث الآخر رواه ابن ماجه عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم".
والحديث يدل على أن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين وعمدة من عمد المسلمين، وأنه فرض على جميع الناس مثنى وفرادى بشرط القدرة والأمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأخذ على يدى الظالم بقوله: "لتأخذن على يدى الظالم حتى تأطروه على الحق أطرًا، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم".
غير أنه قد دلت الآثار المرفوعة على أن الإنكار بالقلب يكفي إذا لم يقدر على غير ذلك، كما روى مسلم عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"، وروى أيضًا عن أبي سعيد: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فدلت هذه الأحاديث أن من عرف المنكر ولم يرضه، وأنكره بقلبه، لم يدخل في الوعيد الشديد الوارد في الحديثين السابقين.
والحاصل أن أحوال الداعين تختلف، فمن داع ربه تعالى وهو راض عن المنكر غير آمر بالمعروف، فهذا محل من غضب الله عليه وعرضه للبلاء والفتنة، فيرد كثيرًا من دعائه، من داع يتقي الله ما استطاع، ولا يرضى بمنكر، فهذا داخل في قوله صلى الله عليه وسلم كما في ففي الصحيحَين عن أبي هُرَيرة: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، فيقول: قد دعوتُ فلا، أو فلم يُستجَب لي"، وفي رواية لمسلم: "لا يَزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجِل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء"، وقوله: "فيَستحسِر"؛ أي: يَنقطع عن الدعاء.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث؛ إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: "الله أكثر"؛ رواه أحمد والحاكم.
جاء في الاستذكار (8/ 585): "قال أبو عمر هذا واضح في أنه لا يلزم التغيير إلا من القوة والعزة والمنعة، وأنه لا يستحق العقوبة إلا من هذه حاله، وأما من ضعف عن ذلك فالفرض عليه التغيير بقلبه والإنكار والكراهة، قال عبد الله بن مسعود بحسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع له تغييرا أن الله يعلم من قلبه أنه له كاره، وروى الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر شيئا فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فأبعده الله، قيل يا رسول الله أفلا نقتلهم قال لا ما صلوا"
قال أبو عمر يقولون من رضي بالفعل فكأنه فعله
قال الحسن - رحمه الله - إنما عقر الناقة رجل واحد فعمهم الله بالعقوبة لأنهم عموا فعله بالرضى.
ومن أحسن ما روي في ذلك حديث بن عميرة الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن القوم ليصنعون المنكر، فيكون من حضرهم لمن غاب عنهم يعني إذا أنكر ولم يرض، ويكون من غاب عنهم كمن حضرهم إذا رضي فعلهم". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: