ما المقصود من قولهم إن صفات الله الفعلية قديمة النوع حادثة الاحاد
قرأت أن صفات الله الفعلية والتي تتعلق بمشيئته قديمة النوع حادثة الاحاد وفهمت معنى ذلك فيما يخص صفتي الكلام والخلق،ولكن هل ذلك ينطبق على جميع صفاته الفعلية كالغضب مثلا هل هي صفة قديمة النوع حادثة الاحاد بمعنى أن كل غضب مسبوق بغضب،أم انها حادثة النوع والاحاد فيصح أن يقال اول مرة غضب اول مرة نزل اول مرة استوى،ارجو شرح الظابط في ذلك لاني بحثت ولم اجد جوابا لتلك النقطة
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن صفات الله تعالى منها صفات ذات وهي قديمة لازمة للذات أزلاً وأبداً كالحياة.
ومنها صفات فعلية متعلقة بمشيئة الله تعالى وقدرته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها؛ كالمجيء، والنزول، والغضب، والفرح، والضحك، والكلام والخلق، والإرادة والعلم، والنزول والاستواء؛ فهي صفات تحدث في وقت دون وقت، وهو ما يعبر عنه الأئمة بأنه قديمة النوع حادثة الاحاد، أي أن الله متصف بصفات الأفعال في الأزل، وهي حادثة الآحاد، أي أن الله يفعلها إذا شاء متى شاء.
فجنس الصفة الفعلية قديم، ولكن تحدث آحاده شيئًا بعد شيء تبعًا للمشيئة، فمن حيث قيامها بالذات تسمى صفات ذات، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال، فكلام الله عز وجل باعتبار أصله ونوعه صفة ذات، وباعتبار آحاد الكلام وأفراده صفة فعل، كذلك العلم، منه ما هو قديم وهو انكشاف جميع الأشياء له تعالى في الأزل، لا يشذ عن علمه منها شيء، ولكن منه ما يحدث بحدوث المعلومات وتجددها، وكذلك السمع والبصر؛ والقرآن الكريم يدل على تجدد صفات الفعل لله تعالى وحدوث أفرادها شيئاً بعد شيء؛ كقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}[الأعراف: 143]، وقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]، وقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}، وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]، والمعدوم لا يرى موجوداً قبل وجوده فإذا وجد رآه موجوداً وسمع كلامه، وهذا يدل على حصول أمر وجودي لم يكن من قبل.
قال شيخ الإسلام في "مجموعة الرسائل والمسائل"(3/ 117-118): " ثم القائلون بقيام فعله به، منهم من يقول فعله قديم والمفعول متأخر، كما أن إرادته قديمة والمراد متأخر، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهم، ومنهم من يقول بل هو حادث النوع كما يقول ذلك من يقوله من الشيعة والمرجئة والكرامية، ومنهم من يقول بمشيئته وقدرته شيئاً فشيئاً لكنه لم يزل متصفاً به فهو حادث الآحاد قديم النوع، كما يقول ذلك من يقوله من أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد وسائر الطوائف.
وإذا كان الجمهور ينازعونكم فتقدر المنازعة بينكم وبين أئمتكم من الشيعة ومن وافقهم، فإن هؤلاء يوافقونكم على أنه حادث لكن يقولون هو قائم بذات الله فيقولون قد جمعنا حجتنا وحجتكم فقلنا العدم لا يؤمر ولا ينهى، وقلنا الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم.
فإن قلتم لنا: فقد قلتم بقيام الحوادث بالرب قلنا لكم: نعم، وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل، ومن لم يقل إن الباري يتكلم ويريد ويحب ويبغض ويرضى ويأتي ويجيء، فقد ناقض كتاب الله، ومن قال إنه لم يزل ينادي موسى في الأزل، فقد خالف كلام الله مع مكابرة العقل، لأن الله تعالى يقول: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ} [النمل: 8]، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 82]، فأتى بالحروف الدالة على الاستقبال، قالوا وبالجملة فكل ما يحتج به المعتزلة والشيعة مما يدل على أن كلامه متعلق بمشيئته وقدرته، وأنه يتكلم إذا شاء، وأنه يتكلم شيئاً بعد شيء، فنحن نقول به، وما يقول به من يقول إن كلام الله قائم بذاته، وأنه صفة له والصفة لا تقوم إلا بالموصوف فنحن نقول به، وقد أخذنا بما في قول كل من الطائفتين من الصواب، وعدلنا عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما، فإذا قالوا لنا: فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به، قلنا ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة، ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل، وهو قول لازم لجميع الطوائف، ومن أنكره فلم يعرف لوازمه وملزوماته". اهـ.
وقال في "مجموع الفتاوى" (12/ 577): "وكلام الله غير مخلوق عند سلف الأمة وأئمتها، وهو أيضًا يتكلم بمشيئته وقدرته عندهم، لم يزل متكلما إذا شاء فهو قديم النوع، وأما نفس النداء الذي نادى به موسى ونحوه ذلك، فحينئذ ناداه به؛ كما قال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى} [طه: 11]، وكذلك نظائره، فكان السلف يفرقون بين نوع الكلام وبين الكلمة المعينة؛ قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [الكهف: 109] وكلام الله وما يدخل في كلامه من ندائه وغير ذلك ليس بمخلوق بائن منه، بل هو منه، والقرآن سمعه جبريل من الله، ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم". اهـ.
أما الغضب فهو من صفات الأفعال التي تتعلق بها المشيئة، وهي ثابتة بإجماع الأمة، وهي أيضا قديمة النوع حادثة الآحاد، فهذا الغضب يحدث في وقت دون وقت؛ كما دلت عليه أدلة كثيرة منها حديث الشفاعة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، أن كل واحد منهم يقول: "إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثل".
وهذه اللفظة صريحة في أن غضب الجبار - سبحانه وتعالى - يوم القيامة غضب لم يحدث مثله قبل ذلك، ولم يحدث مثله بعده.
وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا"؛ متفق عليه.
وهو ظاهر الدلالة رضوان الله يكون في وقت دون وقت، وكذلك السخط والغضب.
إذا تقرر هذا علم أن صفات الله تعالى منها ما هو قديم لازم للذات أزلاً وأبداً كالحياة، ومنها ما هو قديم الجنس ولكن تحدث آحاده في وقت دون وقت، كالخلق والعلم والكلام والغضب،، والله أعلم.
- المصدر: