حكم من يحتلم في نهار رمضان ولا يغتسل الا بعد صلاه المغرب

منذ 2022-04-08
السؤال:

حكم صيام من يحتلم و يستيقظ الظهر او العصر ولاكن لايغتسل الابعد صلاه المغرب او العشاء يغتسل ويصلي جميع صلواته هل يفطر ويعيد صيامه او صيامه صحيح ؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فمَن احتلم وهو صائم فصيامه صحيح، وعليه غُسْلُ الجنابة، إذا كان قد أنزل؛ والدليل على صحة صوم المحتلم في نهار رمضان قبل الإجماع، هو أن الله - تبارك وتعالى - لا يُكلِّف الإنسان ولا يؤاخذُهُ إلا بما يُطِيقه، وتَجَنُّب الاحتلام ليس في طاقةَ أحد من البشر؛ وقد قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني أُصْبِحُ جُنُبًا، وأنا أُريد الصيامَ". فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((وأنا أُصْبُح جُنُبًا، وأنا أريد الصيام؛ فَأَغْتَسلُ وأصومُ)). فقال الرجل: "يا رسول الله، إنك لست مِثْلَنا؛ قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر". فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأَعلمَكم بما أَتَّبِعُ!))؛ رواه مسلم وأبو داود واللفظ له. ولكونه يقع منه أثناء النوم، وقد رُفِعَ عن النائمِ القلمُ حتى يستيقظَ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مَنِ احتلم بغير اختياره - كالنائم - لم يُفطِر باتفاق الناس".

أما تأخير صلاة النهار وجمعها مع صلاة الليل، فلا يجوز بحال، بل إن تعمد إخراج الصلاة عن وقتها بالكلية ذنب عظيم باتفاق أهل العلم، واختلفوا في كفر فاعله، كما أن صلاة النهار بالليل باطلة.

وقد نَقَلَ ابنُ القيم - رحمه الله - في أول كتاب الصلاة إجماعَ المُسلمين عَلَى أنَّ تَرْكَ الصلاةِ الواحِدَةِ المَفْرُوضَةِ حتى يَخْرُجَ وقتُها إثمٌ عظيمٌ أعظمُ مِنَ الزِّنَا، والسَّرِقَةِ، وشُرْبِ الخَمْرِ، وقَتْلِ النفس، فهل تَرْضَيْنَ لنفسِكِ بهذه المَنزِلَةِ؟

هذا؛ وقَدِ  أجمع العُلَمَاءُ عَلَى أن المُحَافَظَةَ عَلَى وقتِ الصَّلَاةِ من أكبرِ شُرُوطِهَا التي لا يَجُوزُ الإخلالُ بها، واتفقُوا أيضًا عَلَى المحافظة على الوقت من أمكن شروط الصلاة وأعظمها، حتى أنه يُتَّسَامح في بعض شُرُوط الصلاة، أو أركانها؛ من أجل الحِفَاظِ عَلَى الوَقْتِ.

وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى"22/28- 32) عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار؛ لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة أستاذ، أو غير ذلك، فهل يجوز لهم ذلك؟ أم لا؟

فأجابك: "لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار؛ لشغل من الأشغال، لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة، ولا نجاسة ولا صيد، ولا لهو ولا لعب ولا لخدمة أستاذ، ولا غير ذلك؛ بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن يصلي الظهر والعصر بالنهار، ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات، ولا للهو ولا لغير ذلك من الأشغال، وليس للمالك أن يمنع مملوكه، ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها، ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس، وجبت عقوبته، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك، وإن قال: لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك، فإنه يقتل؛ وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله))، وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله))، وفي وصية أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب أنه قال: "إن لله حقًا بالليل لا يقبله بالنهار، وحقًا بالنهار لا يقبله بالليل "، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أخرَّ صلاة العصر يوم الخندق؛ لاشتغاله بجهاد الكفار، ثم صلاها بعد المغرب، فأنزل الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن الصلاة الوسطى صلاة العصر))، فلهذا قال جمهور العلماء: إن ذلك التأخير منسوخ بهذه الآية، فلم يجوزوا تأخير الصلاة حال القتال، بل أوجبوا عليه الصلاة في الوقت حال القتال.

وأما تأخير الصلاة لغير الجهاد كصناعة أو زراعة أو صيد، أو عمل من الأعمال، ونحو ذلك - فلا يجوّزه أحد من العلماء، بل قد قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، قال طائفة من السلف هم الذين يؤخرونها عن وقتها، وقال بعضهم: هم الذين لا يؤدونها على الوجه المأمور به وإن صلاها في الوقت، فتأخيرها عن الوقت حرام باتفاق العلماء، فإن العلماء متفقون على أن تأخير صلاة الليل إلى النهار، وتأخير صلاة النهار إلى الليل بمنزلة تأخير صيام شهر رمضان إلى شوال، فمن قال أصلي الظهر والعصر بالليل، فهو باتفاق العلماء بمنزلة من قال أفطر شهر رمضان وأصوم شوال، وإنما يعذر بالتأخير النائم والناسي؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم –: ((من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها؛ فإن ذلك وقتها، لا كفارة لها إلا ذلك)).

فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة، ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثًا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله، تيمم وصلى، وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء، أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانًا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها، فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت

 وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل، وتأخير صلاة الليل إلى النهار، فلا يجوز لمرض ولا لسفر، ولا لشغل من الأشغال، ولا لصناعة باتفاق العلماء؛ بل قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر"، فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين، والمسافر له أن يؤخر الصيام باتفاق المسلمين، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين، وهذا مما يبين أن المحافظة على الصلاة في وقتها أوكد من الصوم في وقته، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] قال طائفة من السلف: إضاعتها تأخيرها عن وقتها، ولو تركوها لكانوا كفارا..." اهـ. مختصرٍا.

هذا؛ والله أعلم.

  

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 7
  • 0
  • 8,800

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً