حكم التخيلات الجنسية بشخصيات غير حقيقية وسيناريوهات أبتكرها
انا شاب اعزب، و لدي حاله ادمانيه تثير الشك فيني خوفًا من انها محرمه وانا لا اعلم،على الرغم اني بحثت فتوى مناسبه لها مسبقًا ولكن لم اجد،فلعل وعسى ان اجد هنا،املك حاله تخيلات جنسيه،بشخصيات غير حقيقيه وسيناريوهات من ذهني ابتكرها كقصه من عندي، وحتى انني اكتبها في حاسوبي واضعها ملفات محميه بأرقام سريه خوفًا انا لا يراها أحد، فلا أحد يراها إلا أنا، و ليس احترازً فقط بلا انا لا احب انا يراها غيري،لا ارى افلام اباحيه ولا صور ولا استمني ايضًا و لا يؤثر فيني ذهنيًا في حياتي ، فهل ما افعله محرم؟ ..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن التَخَيُّلات الجنسية نوع من خطرات النفس، وسببها محبةُ الفواحش وهو مرضٌ في القلب؛ لأنها من تَمَنِّي القلب واشتهاؤه وفكره في الحرام، ولذلك فهي من زنا القلب، وقد يجر صاحبه إلى الوقوع في الحرام؛ فإن المُقَدِّمات من حيث كونها طلائع وأمارات تؤذِن بوقوع ما هي وسيلة إليه؛ ففي الصحيحين عن أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((كُتِبَ على ابن آدم نصيبُه من الزِّنا مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زِنَاها الخُطَا، والقلب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرج ويُكَذِّبُهُ)).
قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المُفهِم": "يعني : أن هواه وتمنيه: هو زناه، وإنما أُطْلِق على هذه الأمور كلها: زنا؛ لأنها مقدماتها، إذ لا يحصل الزنا الحقيقيُّ - في الغالب - إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله". اهـ.
والتخيلات بمفردها ضارة جدًا للمسترسل معها حيث تغرق صاحبها في الخدر ساعات أو أيامًا، وهو في الواقع لم يراوح مكانه، فسرعان ما يصاب بالإحباط، وضعف الهمة؛ لأنه يحقق رغباته ويشبع دوافعه التي يعجز عن تحقيقها في الواقع بالتخيلات والأحلام والمنى، فإذا انضم للخطرات كتابتها ومطالعتها عظمت البلية!
ومن أعظم من بين خطورتها ووصف لها الدواء الناجع شيخ الإسلام ابن القيم فقال في كتابه "الجواب الكافي" (ص: 154)
حيث قال: "وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته، فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة؛ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
وأخس الناس همة وأوضعهم نفسًا، من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة، واستجلبها لنفسه وتجلى بها، وهي لعمر الله رؤوس أموال المفلسين، ومتاجر البطالين، وهي قوت النفس الفارغة، التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال، ومن الحقائق بكواذب الآمال، كما قال الشاعر:
أماني من سعدى رِواء على الظما ... سقتنا بها سعدى على ظمأ بردًا
منى إن تكن حقًا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنًا رغدًا
وهي أضر شيء على الإنسان، ويتولد منها العجز والكسل، وتولد التفريط والحسرة والندم، والمتمني لما فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حوّل صورتها في قلبه، وعانقها وضمها إليه، فقنع بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره، وذلك لا يجدي عليه شيئًا، وإنما مثله مثل الجائع والظمآن، يصور في وهمه صورة الطعام والشراب، وهو لا يأكل ولا ويشرب.
والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها، وإنما شرف النفس وزكاؤها، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها، ولا يرضى أن يخطرها بباله، ويأنف لنفسه منها". اهـ.
أما العلاج الناجع لترك تلك الخطرات فهو بحمل النفس على الأخلاقَ الكريمة، وقطع الخطرات، فالخطرة تولد فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد.
ومعلوم أن الخُلُق والقِيَم والمشاعر منها ما هو فِطريٌّ، ومنها ما هو مكتَسَبٌ، بل إن الأخلاق أكثرها مكتسبة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "ومَن يسْتَعْفِفْ يُعِفَّه الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِه الله، ومَنْ يتصبَّر يُصَبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ منَ الصَّبر"؛ متَّفقٌ عليْه، وروى البيهقيُّ في "شعب الإيمان" عن أبي الدرداء قال: "إنَّما العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم، ومن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوق الشر يُوقه".
فالشهوةُ توجب السُّكر وتُغَيِّب العقل، ومِن ثمَّ فلا دواء لمرض القلب إلا بالهداية وصدق الضراعة إلى الله لعلاج الْتواءات النفس البشريةِ، والتخيلات الجنسية من اتِّباع لخطوات الشيطان. وتَمَنِّي القلب واشتهاؤه، ويجب على العبد الناصح لنفسه أن يجاهدة نفسه على تركها حتى يكون طبعًا وسجية له.
فليس من داء إلا وله علاج؛ كما في الصحيح عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لكل داء دواء"، فإنَّ الله أنزل الدَّاء، وأنزل الدَّواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً؛ فتداوَوا؛ كما رواه أحْمد وأبو داود.
ومن أعظم الأدوية هو صدق الالتجاءُ إلى الله بالتوحيد، والاستعاذة به معتمدًا بقلبك على الله في صَرْفِه، مجتهدًا في دفْع وساوسه وأفكاره الرديئة، ومجاهدْة النفسَ في ذات الله؛ كما قال الله – تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69].
والحاصل أن الشَّرع الحنيف علَّم المسلم ألا يستسلِم للفساد الطارئ على الفطرة، وأن يعمل على تقويمها؛ فكلُّ مَنْ به خَصْلَةُ سوء، مطالَبٌ بجهاد النفس على الخلاص منها، وَأَخْذِ النفس بالشدة والحزم، وَحَجْزِهَا عن غيِّها، وعدم الاسترسال معها، والعملِ على كل ما من شأنه أن يقويَ إيمانَه، من قراءة القرآن بتدبر، والمحافظة على الفرائض والسنن، مع إدمان الذكر، وأخذ الطريق على النفس بقطع الخطرات وعدم الاسترسال معها، والتفكير بعواقب الأمور، فالحرام دائمًا يعقبه الحُزْنُ، والحرمانُ، وقسوةُ القلب، والفضيحةُ في الدنيا، وعلى رؤوس الأشهاد في الآخرة، وغيرُ ذلك من شؤم المعاصي.
هذا؛ وقد اختلف الفقهاء في حكم التخيلات الجنسية فذهب الأكثر إلى أن ذلك حرام، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية؛ قال ابن عابدين - الحنفي - في "حاشيته": "والأقرب لقواعد مذهبنا عدم الحِلِّ؛ لأن تَصَوُّر تلك الأجنبية بين يديه يَطَؤهَا فيه تصوير مُبَاشَرة المعصية على هيئَتِها، فهو نظير مسألة الشرب، ثم رأيت صاحب "تبيين المحارم" من علمائنا نقل عبارة ابن الحاج وأقرَّها". اهـ.
وقال ابن الحاج- المالكي - في كتابه "المدخل": "ويتعين عليه أن يَتَحَفَّظَ على نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول من هذه الخصلة القبيحة التي عمت بها الْبَلْوَى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته، وأتى أهله جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوع من الزنا، لما قاله علماؤنا فيمن أخذ كُوزاً من الماء فصوَّر بين عينيه أنه خمر يشربه، أن ذلك الماء يصير عليه حراماً، وهذا مما عمت به الْبَلْوَى". اهـ.
وقال ابن مفلح- الحنبلي – في كتاب "الآداب الشرعية": "وقد ذكر ابن عقيل وجزم به في الرعاية الكبرى: أنه لو استحضر عند جِماع زوجته صُورَةَ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ أنه يأثم". اهـ.
أما الشافعية فالمعتمد عندهم الجواز ذلك، على ما حكاه ابن حجر الهيتمي في "تحفة المُحتاج شرح المنهاج". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: