التفكير المفرط فى الجنس
لو سمحتم انا كنت من حوالى 3 سنين اسمع افلام إباحية ولكن بفضل الله توقفت عنها وانا حاليا اعانى من تفكير شديد بالجنس ودائما اتخيل انى أمارس الجنس مع زوجى المستقبلى مع العلم ان هذه الأفكار لاأفعل معها شئ مثل العادة السريةولا ينزل منىّ ولكن أشعر باستمتاع أثناء التفكر وكذلك أشعر باحتياجى لهذاالأمر لذلك افكر فيه والأمر لا يتعلق بوجود مؤثرات فاوقات كثيرةلا يكون هناك مؤثر وتاتينى مثل هذه الأفكار مثلا وانااطبخ أواذاكر وأحيانا استطيع دفعها وأحيانالا استطيع بل اريد ان استمتع بهذا التفكير هل هذا حرام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فمن المعروف بدلالة الحس التي لا تقبل التشكيك أن حديث النفس أو أحلام اليقظة أو خطرات النفس ضارة جدًا بمن يسترسل معها؛ حيث تغرقه في الخدر وتخيل ما يعجز عن تحقيقيه وهو لم يراوح مكانه، ومن ثمّ يصاب بالإحباط، وضعف الهمة.
أما الخطرات الجنسية، أو التخيلات الجنسية فهي من أسوأ الخطرات؛ لأن تَخَيُّل الفتاة أنها تمارس الجنس من تَمَنِّي القلب واشتهائه، وهو من الزنا المجازي، ومن المقدمات والسبل التي قد توقع صاحبها في الحرام؛ ففي الصحيحين عن أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (كُتِبَ على ابن آدم نصيبُه من الزِّنا مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْل زِنَاها الخُطَا، والقلب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرج ويُكَذِّبُهُ).
قال الإمام أبو العباس القرطبي في "المُفهِم": "يعني : أن هواه وتمنيه: هو زناه، وإنما أُطْلِق على هذه الأمور كلها: زنا؛ لأنها مقدماتها، إذ لا يحصل الزنا الحقيقيُّ - في الغالب - إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله". اهـ.
قال الإمام ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي" (ص: 154-157):"وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته، فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة؛ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
وأخس الناس همة وأوضعهم نفسًا من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة، واستجلبها لنفسه وتجلى بها، وهي لعمر الله رؤوس أموال المفلسين، ومتاجر البطالين، وهي قوت النفس الفارغة، التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال، ومن الحقائق بكواذب الآمال، كما قال الشاعر:
أماني من سعدى رواء على الظما ... سقتنا بها سعدى على ظمأ بردًا
منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى ... وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدًا
وهي أضر شيء على الإنسان، ويتولد منها العجز والكسل، وتولد التفريط والحسرة والندم، والمتمني لما فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حول صورتها في قلبه، وعانقها وضمها إليه، فقنع بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره، وذلك لا يجدي عليه شيئًا، وإنما مثله مثل الجائع والظمآن، يصور في وهمه صورة الطعام والشراب، وهو لا يأكل ولا ويشرب.
والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها، وإنما شرف النفس وزكاؤها، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها، ولا يرضى أن يخطرها بباله، ويأنف لنفسه منها.
واعلم أن ورود الخاطر لا يضر، وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته، فالخاطر كالمار على الطريق، فإن تركته مرَّ وانصرف عنك، وإن استدعيته سحرك بحديثه وغروره، وهو أخف شيء على النفس الفارغة الباطلة، وأثقل شيء على القلب والنفس الشريفة السماوية المطمئنة.
والنصر مع الصبر، ومن صبر وصابر ورابط واتقى الله فله العاقبة في الدنيا والآخرة، وقد حكم الله تعالى حكما لا يبدل أبدا: أن العاقبة للتقوى، والعاقبة للمتقين، فالقلب لوح فارغ، والخواطر نقوش تنقش فيه، فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخداع، وأماني باطلة، وسراب لا حقيقة له؟ فأي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟ وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه، فإن لم يُفرغ القلب من الخواطر الردية، لم تستقر فيه الخواطر النافعة، فإنها لا تستقر إلا في محل فارغ". اهـ.
إذا تقرر هذا، فالواجب عليك أن تقطعي تلك الخطرات، وأن تحذري من الاسترسال معها، فقطع الخطرات في بدايتها سهل، بخلاف تركها حتى تصبح فكرة وإرادة؛ كما قيل: "وأول ما يطرق القلب الخطرة فإن دفعها استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قويت فصارت وسوسة فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت وصارت شهوة، فإن عالجها وإلا صارت إرادة فإن عالجها وإلا صارت عزيمة، ومتى وصلت إلى هذه الحال لم يمكن دفعها واقترن بها الفعل ولا بد"؛ قاله ابن القيم في "التبيان في أقسام القرآن" (ص: 420).
ومن أعظم ما يعينك على الفطام من الخطرات أمور كثيرة منها:
الإكْثار من الطَّاعات وأعظمها الصلاة، وقراءة القرآن بتدبر، والمحافظة على الفرائض والسنن، مع إدمان الذكر، وصدق اللُّجوء إلى الله، ومُجالسة الصَّالحين، وكثرة التعوُّذ بالله منَ الشَّيطان ووساوسِه.
ومنها: الإكثار من الصيام النوافل؛ لأن الصوم يضعف مجاري الشيطان؛ ففي الصحيحَين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصَن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء))، وقوله: وجاء: أي قاطع للشهوة.
ومنها: مجاهدة النفس في ذات الله تعالى، واستفراغ الطاقة والوسع في مخالفة النفس والشيطان؛ وقد وعد الله بالعون على ذلك؛ فقال سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت: 69]، فإنّ الله تعالى إذا هَدى العبد إلى الصراط أَعانَه على طاعته وترْك معصيته، فلم يُصِبْه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ ولهذا كان دعاء: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]، أنفَع الدعاء وأعظمه وأحكمه؛ لأن الذنوب من لوازم النفس البشرية، والإنسان محتاج إلى الهدى كلَّ لحظة أكثر من حاجته إلى الطعام والشرب؛ ومن ثمّ أمَر بهذا الدعاء في كلِّ صلاة لفرط الحاجة إليه، حتى يحصل له الخير ويدفع عنه الشر.
قال الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد"(3/ 5) وهو يبين شدة حاجة العبد لجهاد النفس:
"وأمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده، كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته، وكما أن حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله، فيكون كله لله وبالله لا لنفسه ولا بنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده، ومعصية أمره، وارتكاب نهيه، فإنه يعد الأماني ويمني الغرور، ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء، وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر، وأخلاق الإيمان كلها، فجاهده بتكذيب وعده، ومعصية أمره، فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان، وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله؛ لتكون كلمة الله هي العليا". اهـ.
ومنها: أخذ النفس بالقوة، وحملها على الابتعاد عن الخطرات وكل ما يستدعي الشَّهوة وتؤجِّجها؛ فالإنسان مفطورٌ على المَيْل لجميع الشهوات؛ كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14]، ولكنَّ الشرع أباح الاستمتاع بالمباح منها، ونهى عن جميع الفواحش والمحرمات، ما ظهر منها وما بَطَن.
منها: استشعار الرقابة الإلهية؛ قال الله – تعالى -: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]، وقال – تعالى -: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، ومراقبة الله سبحانه تورث القلب الخوفُ مِن الله، وهو من أجل منازل المؤمنين، وهو الحاجز الصلبُ في وجْهِ هوى النفس، ولا يثبت شيء غير الخوف من الله أمام دفعات الهوى.
قال صاحب الظلال (6/ 3636-3637) عند قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13]: "إن البشر وهم يحاولون التخفي مِن الله بحركةٍ أو سرٍّ أو نية في الضمير يُبدون مضحكين، فالضميرُ الذي يخفون فيه نيتهم مِن خلْقِ الله، وهو يعلم دروبه وخفاياه، والنية التي يخفونها هي كذلك مِن خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون، فماذا يخفون؟ وأين يستخفون؟ والقرآنُ يُعنى بتقرير هذه الحقيقة في الضمير؛ لأنَّ استقرارها فيه يُنشئ له إدراكًا صحيحًا للأمور فوق ما يودعه هناك مِن يقَظةٍ وحساسية وتقوى تناط بها الأمانة التي يحملها المؤمنُ في هذه الأرض؛ أمانة العقيدة، وأمانة العدالة، وأمانة التجرُّد لله في العمل والنية، وهو لا يتحقق إلا حين يستيقن القلبُ أنه هو وما يكمن فيه مِن سر ونية هو مِن خَلْقِ الله الذي يعلمه الله؛ وهو اللطيف الخبير". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: