حكم توبة من لم يتخلص من آثار المعصية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعتت صوري عارية لشاب وقد تبت عن فعلتي ولم اقترب من الشاب منذ سنوات عديدة وقد تزوج هل يجب أن ابعث له بعد هذه السنين ان يحذف صوري اخاف ان تقرأها زوجته وتلحقني الفضيحة غير انه لا يرد على اي مسج مني يعني حتى لو بعتت مسج وقرأءه هو فلن يرد علي اساسا بعد هذه السنوات ليخرني اني سأمسح الصور لن يرد علي أصلا فماذا افعل وهل توبتي صحيحة حتى لو لم أطلب حذف صوري وان كانت عنده ونظر إليها هل يلحقني أثم والله انا تبت ولن أعود لما فعلت بإذن الله فأرجوكم هل تصح توبتي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالتوبة من أجل وأحب الطاعات إلى الله تعالى، وهو سبحانه يفرح بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة، بعد اليأس منها، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة.
فإن من سعة رحمة رب العالمين أن جعل سبيل التوبة مفتوحًا دائمًا لكل من قصده، وفر إليه سبحانه، وطمَّع في رحمته ومغفرته أهل المعاصي مهما أسرفوا في المعصية والذنوب؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:39]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
والواجب على جميع المسلمين إخلاص التَّوبَةِ إلى الله؛ قال تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار} [التحريم:8].
فالتوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه.
أما عدم تمكنك من محو تلك الصور فلا يمنع من قبول التوبة وإن بقي الأثر السيء، وإنما يوجب عليك كثرة العمل، والعزم على عدم العودة في المستقبل، وعدم التفكير في التواصل مع ذلك الشخص أو غيره من الرجال الأغراب.
وتأملي ما قاله الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/185- 186):
"فالمغفرة العامة لجميع الذنوب نوعان:
أحدهما: المغفرة لمن تاب كما في قوله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، إلى قوله: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، فهذا السياق مع سبب نزول الآية يبين أن المعنى لا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت؛ فإن الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب.
وقد دخل في هذا العموم الشرك وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى يغفر ذلك لمن تاب منه؛ قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: 5]، إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 5]، وقال في الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة: 11]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، إلى قوله {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 74]، هذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه - كما دل عليه القرآن والحديث - هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب، كقول بعضهم: أن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطنًا؛ للحديث الإسرائيلي الذي فيه: (فكيف من أضللت)، وهذا غلط؛ فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة".
وكذلك توبة القاتل ونحوه، وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة.
فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص.
فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا رادَّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء". اهـ. مختصرًا.
إذا تقرر هذا فالواجب عليك الاستمرار على التوبة، مع الإكثار من الأعمال الصالحة، وإحسان الظن بالله تعالى؛ فالله تعالى جواد كريم عفو غفور، ورحمته تسبق غضبه، والرحمة أحب إليه من الانتقام والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع،، والله أعلم.
- المصدر: