زنيت بامرأة وأريد الزواج من ابنتها
في بداية شبابي اخطأت وفعلت الفاحشة مع امرأة كبيرة السن لمرة واحدة فقط (هذه الحادثة منذ ست سنوات) ثم ندمت وتبت إلى الله ومنّ الله عليّ بالهداية واستقمت بفضل الله وختمت القرآن واسأل الله ويعفو عني. ثم وقعت في بلاء شديد (أسر) وكانت ابنة هذه المرأة وهي فتاة ذات خلق ودين تقف بجانب أهلي في هذه المحنة وتهتم بهم وبي طوال هذه السنوات وأنا الآن أريد الزواج من هذه الفتاة لما أراه من معدنها الطيب ونحن متوافقين بشكل كبير، والعائق الوحيد أمامنا هو ما فعلته أنا مع أمها. فهل يجوز لي الزواج منها؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالراجح من قولي أهل العلم أن الزنا ينشر الحرمة، وأن من زنا بامرأة حرمت عليه أمها وابنتها، وحرمت المزنية بها على أب الزاني، وعلى ولده، فمن زنى بامرأة فليس له أن يتزوج بأصولها ولا فروعها، ولا لأبيه وابنه أن يتزوجها، فالزنا يثبت حرمة المصاهرة، وهو مذهب الحنفية والحنابلة ورواية عن مالك، خلافًا للشافعية.
جاء في الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه (11/ 54): "قال إسحاق بن منصور: قال الإمام أحمد: إذا زنا بامرأة لا يتزوج أمها ولا ابنتها، وإحتح بحديث ابن زَمعَة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لسَوْدَةُ: "احْتَجِبِي مِنْهُ"؛ ألا ترى أنه قد ثبَّت لعتبة نسبًا، وقد كان زنا بها، وأما ما دون الفرج فإنه لا يُحرم الحرام الحلال".
وجاء في "المغني" لابن قدامة (7/ 117-118): "(ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة)، يعني أنه يثبت به تحريم المصاهرة، فإذا زنى بامرأة حرمت على أبيه وابنه، وحرمت عليه أمها وابنتها، كما لو وطئها بشبهة أو حلالاً، ولو وطئ أم امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته، نص أحمد على هذا، في رواية جماعة وروي نحو ذلك عن عمران بن حصين وبه قال الحسن وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والشعبي والنخعي، والثوري، وإسحاق وأصحاب الرأي.
وروى ابن عباس أن الوطء الحرام لا يحرم، وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر، وعروة، والزهري، ومالك، والشافعي، وأبو ثور وابن المنذر؛ لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحرم الحرامُ الحلالَ"؛ ولأنه وطء لا تصير به الموطوءة فراشًا، فلا يحرم كوطء الصغيرة.
وقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، والوطء يسمى نكاحا قال الشاعر: إذا زنيت فأجد نكاحًا.
فحمل في عموم الآية، وفي الآية قرينة تصرفه إلى الوطء، وهو قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22]... ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح تعلق بالمحظور كوطء الحائض؛ ولأن النكاح عقد يفسده الوطء بالشبهة، فأفسده الوطء الحرام كالإحرام، وحديثهم لا نعرف صحته، وإنما هو من كلام ابن أشوع وبعض قضاة العراق كذلك قال الإمام أحمد وقيل: إنه من قول ابن عباس ووطء الصغيرة ممنوع، ثم يبطل بوطء الشبهة". اهـ.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (32/ 138): "عن رجل زنى بامرأة في حال شبوبيته، وقد رأى معها في هذه الأيام بنتا وهو يطلب التزويج بها، ولم يعلم هل هي منه أو من غيره وهو متوقف في تزويجها؟
فأجاب: الحمد لله، لا يحل له التزويج بها عند أكثر العلماء؛ فإن بنت التي زنى بها من غيره لا يحل التزوج بها عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، وأما بنته من الزنا فأغلظ من ذلك وإذا اشتبهت عليه بغيرها حرمتا عليه". اهـ.
واحتج بحديث عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أنها قالت: "اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في غلام، فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شبهه، فرأى شبهًا بينًا بعتبة، فقال: "هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة"، فقال "مجموع الفتاوى" (7/ 420-421): "لما رأى من شبهه البين بعتبة؛ فقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم ابن زمعة؛ لأنه ولد على فراشه، وجعله أخًا لولده بقوله: "فهو لك يا عبد بن زمع"، وقد صارت سودة أخته يرثها وترثه؛ لأنه ابن أبيها زمعة ولد على فراشه، ومع هذا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحتجب منه لما رأى من شبهه البين بعتبة، فإنه قام فيه دليلان متعارضان: الفراش والشبه، والنسب في الظاهر لصاحب الفراش أقوى؛ ولأنها أمر ظاهر مباح، والفجور أمر باطن لا يعلم ويجب ستره لا إظهاره؛ كما قال: "للعاهر الحجر".
ولما كان احتجابها منه ممكنا من غير ضرر أمرها بالاحتجاب لما ظهر من الدلالة على أنه ليس أخاها في الباطن، فتبين أن الاسم الواحد ينفى في حكم ويثبت في حكم، فهو أخ في الميراث وليس بأخ في المحرمية.
ولفظ النكاح وغيره في الأمر يتناول الكامل وهو العقد والوطء كما في قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، وقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وفي النهي يعم الناقص والكامل؛ فينهى عن العقد مفردًا وإن لم يكن وطء كقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، وهذا لأن الآمر مقصوده تحصيل المصلحة، وتحصيل المصلحة إنما يكون بالدخول؛ كما لو قال: اشتر لي طعاما؛ فالمقصود ما يحصل إلا بالشراء والقبض، والناهي مقصوده دفع المفسدة فيدخل كل جزء منه؛ لأن وجوده مفسدة، وكذلك النسب والميراث معلق بالكامل منه، والتحريم معلق بأدنى سبب حتى الرضاع". اهـ. محتصرًا.
إذا تقرر هذا؛ فلا يجوز لك الزواج من ابنة المرأة التي زنيت بها،، والله أعلم.
- المصدر: