هل من يقتل في فلسطين يعتبر شهيدًا
هل يُعتبَر الفلسطينيون الذين يقتلون عددًا من المستوطنين ثم يقتلهم الاحتلال شهداء؟ أمثال ضياء حمارشة ورعد حازم؟ و إن حوصِرَ أحد المطارَدين الفلسطينيين من قبل الاحتلال وطلبوا منه الخروج وإلا أردوه قتيلا فرفض الخروج فقتلوه، هل يُعتبَر شهيد؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد نطق الكتاب العظيم والسنة المشرفة أن الشهيد هو مَن مات في سبيل الله أوْ قُتِلَ، أو هو من يجاهد في سبيله - علمًا وعملاً بحسب طاقته ليكون الدين لله، ويكون مقصوده أن كلمة الله هي العليا.
ولذلك استحق الشهداء أن يكونوا صفوة الله المختارة من عباده المؤمنين الذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله تعالى؛ كما قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، فالشهادة هي ثمرة بيعة مع الله سبحانه بحيث لا يبقى بعدها للمؤمن شيء في نفسه، ولا في ماله يحتجزه دون الله سبحانه، ودون الجهاد في سبيله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وليكون الدين كله لله، فالمؤمن باع لله في تلك الصفقة نفسه وماله مقابل ثمن محدد معلوم، هو الجنة، وهو فضل الله ومَنّه، حيث استخلص لنفسه المقدسة أنفُس المؤمنين وأموالهم، فلم يعد لهم منهما شيء يستبقوا منه بقية لا ينفقونها في سبيله.
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[الصف: 10 - 13].
فالشهيد هو من أخلص نية الجهاد لله وحده، مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة، ولإقرار شريعة الله في الأرض، وإعلان سلطانه على البشر، وتحكيم منهجه في الحياة، وتحقيق الخير والصلاح والنماء والعدل للناس وليس للمجاهدين في هذا الأمر شيء، وليس لأنفسهم من هذا حظ، إنما هو لله وفي سبيل الله بلا شريك؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[البقرة: 190]، وقال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 244]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }[المائدة: 54]، والآيات بهذا المعنى أكثر من أن تحصر.
أما السنة المشرفة ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري، أن رجلاً أعرابيًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليُذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله"، وهو ظاهر في أن كل من قاتل من أجل غاية محددة فهو في سبيل تلك الغاية.
وفي الصحيحين أيضًا عن عبد الله بن عمرو:قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".
هذا؛ وقد دلت السنة المشرفة على المنع من إطلاق لفظ الشهادة على أحد إلا فيما ورد به الوحي؛ كما بوب البخاري في صحيحه (4/ 37): "باب لا يقول فلان شهيد، قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله". اهـ.
وحديث أبي هريرة رواه البخاري موصولاً، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل المجاهد في سبيل الله، والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله، بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة»
جاء في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (6/ 90): " (قوله باب لا يقال فلان شهيد)، أي: على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي؛ وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: "تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيدًا، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في سبيل الله، أو قتل فهو شهيد"، وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما، وله شاهد في حديث مرفوع أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن الصلت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعدون الشهيد؟ قالوا من أصابه السلاح، قال كم من أصابه السلاح وليس بشهيد ولا حميد، وكم من مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق وشهيد"، وفي إسناده نظر.
قال: وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال". اهـ. مختصرًا.
إذا تقرر هذا، علم أن كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد، سواء من اغتاله العدو في منزله رافضًا للخروج أو غير هذا، ولكن لا يقطع بكونه شهيد مما سبق تقريره،، والله أعلم.
- المصدر: