حكم التوبة من الذنوب الجارية
السلام عليكم انا فتاة كان لدي قناه في اليوتيوب ونشرت فيها الانمي ويوجد في مسلسل الانمي موسيقى وصور فتيات ولا كنت ادري ان هذه الفيديوهات ستكون لي ذنوب جاريه وتم تهكير قناتي ولا اقدر الرجوع لها حاولت كل الطرق ولكن لم اقدر على استرجاعها ماذا افعل وهذه القناه تزداد الاشتراكات والمشاركات كل فتره
فإن توبة من تسبب في إضلال البعض، أو ترك من الآثار السيئة التي لا يمكنه إزالتها، مقبولة كما دلت عليه عمومات الكتاب والسنة؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقد دخل في هذا العموم الشرك والبدعة وإضلال الناس، وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب، فلا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت.
فَمَا على العبد إِلا أن يخلِص في التَّوبَةِ؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار} [التحريم:8].
فالتوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه.
فإذًا التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ظاهرا وباطنا، ويدخل في مسماها الإسلام، والإيمان، والإحسان، وتتناول جميع المقامات، ولهذا كانت غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، وهي الغاية التي وجد لأجلها الخلق، والأمر والتوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها.
وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علمًا وعملاً وحالاً، ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه.
ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيل التوبة وآثارها؛ قاله الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين"(1/ 313)، مختصرًا.
شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/185- 186):
"فالمغفرة العامة لجميع الذنوب نوعان:
أحدهما: المغفرة لمن تاب كما في قوله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، إلى قوله: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، فهذا السياق مع سبب نزول الآية يبين أن المعنى لا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت؛ فإن الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب.
وقد دخل في هذا العموم الشرك وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى يغفر ذلك لمن تاب منه؛ قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: 5]، إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 5]، وقال في الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة: 11]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، إلى قوله {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 74]، هذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه - كما دل عليه القرآن والحديث - هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب، كقول بعضهم: أن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطنًا؛ للحديث الإسرائيلي الذي فيه: (فكيف من أضللت)، وهذا غلط؛ فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة".
وكذلك توبة القاتل ونحوه، وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة.
فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص.
فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا رادَّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء". اهـ. مختصرًا.
وجاء في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (1/ 110):
"... قال ابن عقيل في الإرشاد: الرجل إذا دعا إلى بدعة ثم ندم على ما كان، وقد ضل به خلق كثير، وتفرقوا في البلاد وماتوا- فإن توبته صحيحة إذا وجدت الشرائط، ويجوز أن يغفر الله له ويقبل توبته ويسقط ذنب من ضل به، بأن يرحمه ويرحمهم وبه قال أكثر العلماء". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فإن استطعت إزالة الآثار السيئة لما فعلت فيجب عليك، وإن لم تستطع، فعليك بكثر الأعمال الصالحة، وأحسن الظن بالله تعالى فسبيل التوبة مفتوح دائمًا لكل من قصده، والله تعالى جواد كريم عفو غفور، ورحمته تسبق غضبه، والرحمة أحب إليه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
ولتكثري من الاستغفار؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان أعظم الخلق كان أكملهم توبة، وأكثرهم استغفارًا؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"، وعن ابن عمر قال: "كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم"؛ رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره كل يوم مائة مرة"؛ رواه أحمد، والأحاديث في هذا المعنى الشريف أشهر من أن تذكر، وإنما نشير إشارة،، والله أعلم.
- المصدر: