أهلكتني كثرة الوساوس و حياتي أصبحت بائسة
السلام عليكم ، اتمنى ان ترشيدوني في حالتي لانني سأجن، كل هذا بدأ عندما بدات اشك في وضوئي ، لم اعد افرق بين خروج ريح أو غازات البطن،قرأت فتوى عن وسواس صلاة و عدم التفاف له اذا كان هناك سلس غازات و اذا استطعت ان ادرك وقت ذهاب هذه الغازات اصلي، المشكلة اني عندما لا التفت ادرك ان غازات ذهبت فاعيد الوضوء ثم من جديد يبطل وضوئي، خاصة عندما اكون في ركعة الاخيرة،و هكذا اعيد صلاتي مرات عديدة. ثم اصبح لدي وسواس المذي و المني ،كلما ابدأ في وضوء تأتني افكار جنسية،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإن الوساوس من مصايد الشَّيطان وحبائله لغواية الإنسان واضلاله، وإيقاعه إفساد دينَه وعبادَتَه وإيمانَه، بله وحياته كلّها.
فيصد كل من يهم لاجتياز الطريق إلى الله، وسلوك طريق الإيمان والطاعات المؤدي إلى رضى الله؛ قال الله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [البقرة: 16، 17]، فبين سبحانه محاولات الملعون الدائبة لإغواء الإنسان، والحيلولة بينه وبين الإيمان والطاعة.
والله سبحانه بحكمته ورحمته ركب في الإنسان فطرته من استعداد للخير والشر، وبما وهبه من عقل مرجح وبما أمده من التذكير والتحذير على أيدي الرسل، وضمّن شرعه طرقًا لقمع الشيطان.
والحاصل أن تأثير الوسوسة يعتمد على نقط الضعف في الإنسان، وأن هذا الضعف يمكن اتقاؤه بالإيمان والذكر، حتى ما يكون للشيطان سلطان على المؤمن الذاكر وما يكون لكيده الضعيف حينئذ من تأثير؛ فخصيصة لإنسان التي تصله بربه، وتفتح له الأبواب إليه، هو صدق اللجأ إليه، والاستعانة به، والاستعاذة به من الشيطان، والضراعة، واليقين بأنه لا حول ولا قوة إلا بعون الله ورحمته.
أما العلاج الناجعُ لدفعُ وساوس الشيطان، فهو الإعراض عنها جملةً وتفصيلاً، وعدم الالتفات إليها؛ لأنها من عمل الشيطان، قطع الوساوس جملة، وعدم الاسترسِال معها، وقطع الخطرات؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –: (يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا من خلق كذا؟ حتَّى يقول : مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغَه فليَسْتَعِذْ بِالله وليَنْتَهِ)، والمعنى: "إذا عَرَضَ له الوِسواسُ، فيلْجأْ إلى الله - تعالى - في دفعِ شرِّه، وليُعرضْ عن الفكر في ذلك، ولْيَعلمْ أن هذا الخاطر من وسوسةِ الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد، والإغراء؛ فلْيُعرِضْ عن الإصغاء إلى وسوسته، ولْيُبادرْ إلى قطعِها بالاشتغال بغيرها"؛ قالهُ الإمامُ النوويُّ في "شرح مسلم".
وقال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواءٌ نافعٌ هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنَّه متى لم يلتفِتْ لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأمَّا مَن أصغَى إليها فإنَّها لا تزالُ تَزدادُ به حتَّى تُخْرِجه إلى حيِّز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرٍ مِمَّنِ ابْتُلوا بِها، وأصغَوْا إليها وإلى شيطانها" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلام جامع "مجموع الفتاوى" (22/608): "والوسواس يَعرض لكل مَن توجَّه إلى الله، فينبغي للعبد أن يَثبُت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجَر؛ لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان؛ {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وكلَّما أراد العبد توجهًا إلى الله بقلبه جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه". اهـ.
ولتعلم أن وساوس الشيطان غير متناهية، فمتى عارضته بمسلك وجد مسلكًا آخر إلى ما يريده من المغالطة والتشكيك، ليضيع وقتك ويكدر عيشك، ولذلك لا مخلص للمسلم إلا في الإعراض عنها جملة، وصدق الالتجاء إلى الله، والاعتصام به من عدوه، فيقول بلسانه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ملتجئًا إلى الله تعالى بسره إن يدفع عنه كيده وشره؛ كما قال عز وجلّ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]، والاستعاذة تحتاج لقوة قلب؛ لأنه جهاد للشيطان،وللمجاهد ثوابَ المُجاهدين؛ لأنَّهُ يُحاربُ عدوَّ الله، ومتى استَشْعَر الشيطان تلك اليقظة والقوة فرّ منك؛ فكيد الشيطان مع اللحظ الإلهي لا أضعف منه كما قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:].
فلابد قوة القلب في الاستعاذة من الشيطان، والاعتماد على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة، والضراعة، والتوبة، والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب؛ فإن القلب متى اتصل برب العالمين، وخالق الداء والدواء، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء= كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه، مع تقوية القلب بقراءة القرآن العظيم بتدبر، والمحافظة على ذكر الله تعالى في كل حال، لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمام والخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده، وغير ذلك؛ فقد روى أبو يعلى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان وضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكَر الله خنس، وإن نسي الْتقَمَ قلبه، فذلك الوسواس الخناس))،، والله أعلم.
- المصدر: