صديقتي ابتليت بالعادة الخبيثة
لي صديقة ابتليت بممارسة العادة الخبيثة وهي بنت الثمان سنوات تقريباً ولم تكن تعلم تبعات ذلك الفعل.. لم تكن تعلم من الاساس انها تقترف شيء خاطئ واستمرت معه عدة اعوام... هي بفضل الله منذ فترة استطاعت ان تتغلب عليه وتتركة فترة كبيرة من الوقت والان تجاهد الا تعود ولكنها تود ان تعلم عدة امور:..
اولا : هي لم تكن تعلم حكم الجنابة وانه بمجرد فعلها لذلك الامر وجب عليها الاغتسال فكانت لا تغتسل وتصلي على حالها وظلت كذلك حتى بلغت الثامنة عشر من عمرها تقريباً فماذا تفعل في أمر كل تلك الصلوات التي لم تكن صلتها على طهارة ( هي لا تحصي عددهم)؟
ثانيا: هي لم تكن تعلم ان تلك الفعلة من مبطلات الصيام فمرات كانت تقع فيها في نهار رمضان فماذا تفعل في أيام الصيام التي اقترفت فيها هذا الذنب ( وايضا لا تحصي عددهم)؟
ثالثا : هي كانت من سكان المملكة ورزقها الله عمرات كثيرة وحجج كثيرة والحمد لله.. ولكنها في بعض الأوقات كانت تقع في هذا الذنب أثناء احرامها جهلا منها بأنه من محظورات الإحرام والاشكالية انها لا تعلم ان كانت تطوف البيت على طهارة ام لا، ولم تكن تعلم بوجوب الطواف على طهارة وان الجنب لا يصح له الطواف.. قالت لي ان اخر حجة وعمرة لها قبل مغادرتها للمملكة هي لا تتذكر انها وقعت في هذا الامر، فهل لا تزال على احرامها؟
في مرتان طافة بالبيت وهي حائض وقت احرامها، مرة خجلا وخوفا من ان لا تتم عمرتها وكانت وقتها في ال١٢ من عمرها ولم تكن مستوعبة لكبر الذنب، ومرة ثانيا ظنت انها استحاضة كانت في ال١٦ من عمرها، كان ذلك قبل اخر عمرة وحجة لها. هي الآن لا تستطيع العودة للمملكة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ :
فقد دلّ القرآن والسنة على أنَّه يَجب على الجنُب الاغتِسال حتى يقرب الصلاة؛ قال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: 6]، فأمر بالتطهُّر من الجنابة، وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: "إنما الماء من الماء"، ورى أحمد عن علي عن رسول الله قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة، فإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل"، والحذف هو القذف بشدة وبشهوة.
وأجمع أهل العلم على أنَّ الغسل من الجنابة شرطٌ تتوقَّف عليه صحَّة الصَّلاة.
أما من ترك الغسل من الجنابة لجهله بوجوبه، فإن من رحمة الله تعالى أن الحكم الشرعي لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ؛ كما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من مصنفاته، وقرر أن كل من جهل حكمًا شرعيًا، فلا إعادة عليْه؛ وإن هذا وهو الثَّابت المستفيض من سنة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – حيث لم يأمر أحدًا ممَن ترك واجبًا أو أخلَّ بشرط أو ركن بالإعادة بعد خروج الوقت.
وقال في معرض كلامه على من صلَّى بلا وضوء أو وهو جنب، ولا يعلم أنَّ الله أوْجب الوضوء والغسل "مجموع الفتاوى"(22/ 41)
"وأصل هذا أنَّ حكم الخطاب: هل يثبت في حقّ المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدَأُ دون النَّاسخ، والأظهر أنَّه لا يجِبُ قضاء شيء من ذلك، ولا يثبُت الخطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 19]، ولقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثل هذا في القرآن متعدِّد، بيَّن سبحانه أنَّه لا يعاقب أحدًا حتَّى يبلغه ما جاء به الرَّسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلَم كثيرًا ممَّا جاء به - لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنَّه لا يعذِّبه على بعض شرائطه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحْرى، وهذه سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المستفيضة عنْه في أمثال ذلك؛ فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح أنَّ طائفةً من أصحابه ظنُّوا أنَّ قوله تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبْل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِط في رجله حبلاً، ثمَّ يأكُل حتَّى يتبين هذا من هذا، فبيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ المراد بياض النَّهار وسواد اللَّيل، ولم يأمرْهم بالإعادة.
وكذلك عمر بن الخطَّاب وعمَّار أجْنبا، فلم يصلّ عمر حتَّى أدرك الماء، وظنَّ عمَّار أنَّ التُّراب يصل إلى حيث يصل الماء، فتمرَّغ كما تمرَّغ الدَّابَّة، ولم يأمر واحدًا منهما بالقضاء.
وكذلك أبو ذر بقِي مدَّة جنبًا لم يصلّ، ولم يأمره بالقضاء؛ بل أمره بالتيمُّم في المستقبل.
وكذلك المستحاضة قالت: إني أستحاض حيْضة شديدة تمنعُني الصَّلاة والصوم، فأمرها بالصَّلاة زمن دم الاستِحاضة، ولم يأمرها بالقضاء.
ولمَّا حرم الكلام في الصَّلاة، تكلَّم معاوية بن الحكم السُّلمي في الصَّلاة بعد التَّحريم جاهِلاً بالتحريم، فقال له: ((إنَّ صلاتَنا هذه لا يصلُح فيها شيء من كلام الآدميِّين))، ولم يأمرْه بإعادة الصَّلاة.
ولمَّا زيد في صلاة الحضر حين هاجر إلى المدينة، كان مَن كان بعيدًا عنْه، مثل مَن كان بمكَّة وبأرْض الحبشة يصلُّون ركعتين، ولم يأمرْهم النَّبيُّ بإعادة الصَّلاة.
ولمَّا فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبرُ إلى مَن كان بأرض الحبشة من المسلمين، حتَّى فات ذلك الشَّهر - لم يأمرْهم بإعادة الصيام.
وكان بعض الأنصار لمَّا ذهبوا إلى النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المدينة إلى مكَّة قبل الهجرة قد صلَّى إلى الكعبة، معتقدًا جوازَ ذلك، قبل أن يؤْمَر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذ يستقبِلون الشَّام، فلمَّا ذكر ذلك للنَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمره باستِقْبال الشَّام، ولم يأمرْه بإعادة ما كان صلَّى.
وثبت عنْه في الصحيحين أنَّه سُئِل - وهو بالجعرانة - عن رجُل أحرم بالعمرة وعليْه جبَّة، وهو متضمّخ بالخلوق، فلمَّا نزل عليه الوحي قال له: ((انزع عنك جبَّتَك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتِك ما كنت صانعًا في حجِّك))، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبْس الجبَّة، ولَم يأمرْه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك بدم، ولو فعل ذلك مع العِلْم للَزِمه دم.
وثبت عنْه في الصَّحيحين أنَّه قال للأعرابي المسيء في صلاته: ((صلِّ فإنَّك لم تصلّ)) مرَّتين أو ثلاثًا، فقال: والَّذي بعثك بالحقّ ما أحسن غير هذا، فعلِّمْني ما يجزيني في الصَّلاة، فعلَّمه الصَّلاة المجزية، ولم يأمرْه بإعادة ما صلَّى قبل ذلك مع قوله: "ما أحسن غير هذا"، وإنَّما أمره أن يُعيد تلك الصلاة؛ لأنَّ وقتها باق، فهو مخاطَب بها، والَّتي صلاَّها لم تبرأْ بها الذمَّة، ووقْت الصَّلاة باقٍ، فهذا المسيء الجاهل إذا علِم بوجوب الطُّمأنينة في أثناء الوقْت، فوجبتْ عليه الطمأنينة حينئذ، ولم تجب عليه قبل ذلك؛ فلِهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها.
وكذلك أمْرُه لمَن صلَّى خلْف الصَّفّ أن يُعيد، ولمن ترك لمعةً من قدمه أن يُعيد الوضوء والصلاة، وقوله أوَّلاً: ((صلّ فإنَّك لم تصلّ)) تبين أنَّ ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنَّه كان جاهلاً بوجوب الطُّمأنينة، فلهذا أمره بالإعادة ابتداء، ثمَّ علَّمه إيَّاها لمَّا قال: "والذي بعثك بالحقّ لا أحسن غير هذا".
فهذه نصوصُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - في محظورات الصَّلاة والصِّيام والحجّ، مع الجهْل فيمَن ترك واجباتِها مع الجهل، وأمَّا أمرُه لمن صلَّى خلْف الصَّفّ أن يعيد، فذلِك أنَّه لم يأْت بالواجب مع بقاء الوقت، فثبت الوجوب في حقِّه حين أمره النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لبقاء وقْت الوجوب، لم يأمُره بذلك مع مضيّ الوقت". اهـ.
وعليه، فلا يجب عليك إعادة تلك الصلوات وكذلك لا يجب عليها قضاء الصيام ولا العمرة، ولتكثر من الأعمال الصالحة،، والله أعلم.
- المصدر: