هل يسقط حق المغتصبة بمجرد توبة المغتصب ؟
انا قلقة انني غالباً لن اقتص ممن اغتصبني، لانني رايت شيخ يطمئن شاب تاب من الاغتصاب انه لا عليه شئ، و سمعت أيضاً فتوى تقول ان المغتصب مجرد زاني، يعامل كمعاملة الزاني بالضبط و لا يوجد حق للمغتصبة و ان كلمة اغتصاب كلمة مستحدثة، و هذا الكلام يسبب لي قلق و ابكي كثيراً انه بعد كل هذه الأمراض النفسية التي سببها لي هذا المجرم لن اخذ حقي، ساعدوني بالله عليكمؤ و ايضا هذا سبب لي فتنة لى ديني، ولكن احاول لمقاومة وساوس الشيطان بالله عليكم ردوا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد
فإن كان الحال كما ذكرت أن أحدهم قال: إنه لا يوجد حق للمغتصبة ممن اغتصبها، فهذا القول جهل فاضح بالشريعة الإسلامية في مسائلها ودلائلها، بل هو مصادم للضروريات والبديهيات؛ فحق المظلوم واقتصاصه من ظالمه مما فطر الله عليه النفوس البشرية، ومن ثمّ جاءت به الشرائع السماوية؛ فالقاتل والزاني لا يسقط عنهما وزرهما بمجرد التوبة، وقد صحّ عن عبدالله بن عباس وهو الروايتين عن أحمد: إن القاتل لا توبة له؛ وذلك لأن القتل يتعلق به حق آدمي، فلهذا حصل فيه النزاع.
جاء في "مجموع الفتاوى"(16/25-26): "... ولكن قد يقال: لا تقبل توبته بمعنى أنه لا يسقط حق المظلوم بالقتل، بل التوبة تسقط حق الله، والمقتول مطالبه بحقه، وهذا صحيح في جميع حقوق الآدميين حتى الدين؛ فإن في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين". لكن حق الآدمي يعطاه من حسنات القاتل". اهـ.
وقال
قال "في الصارم المسلول على شاتم الرسول" (ص: 493): "أن صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا؛ فإن من تاب من قتل أو قذف أو قطع طريق، أو غير ذلك فيما بينه وبين الله: فإن ذلك لا يسقط حقوق العباد من القود وحد القذف وضمان المال، وهذا السب فيه حق لآدمي فإن كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده، فإن ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة". اهـ.
والذي يظهر أن هذا الرجل اشتبه عليه الذنب الذي تمحض فيه حق الله، وما تعلق به حق آدمي؛ فحقوق العباد تُبنى على المشاحة، بخلاف حقوق الله فمبنية على المسامحة.
أما من زعم أن كلمة اغتصاب كلمة مستحدثة، فجاهل باللغة قبل جهله بالشريعة؛ فمن نظر في أحد المعاجم مادة: (غ ص ب): "قِيلَ: غَصَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا إذَا زَنَى بِهَا كُرْهًا وَاغْتَصَبَهَا نَفْسَهَا"، كما في "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" (2/ 448).
كما ذكر الاغتصاب في مواد كثيرة؛ اقتنص البنت غصيًا: اغتصبها، فضح الجارية: اغتصبها، افترعها سفاحا، أو وغلب امرأة أيضاً: اغتصبها، اعتدى على عفافها، هتك سترها كما في (معجم أبي الفدا).
وفي لطائف الثعالبي (6:56): "هتك: أغوى امرأة، هتك امرأة، اغتصبها"، وكذا في "المخصص" (3/ 120)، "لسان العرب" (1/ 91).
أما حُرمة الزِّنا فمعلومةٌ بالضَّرورة من دين الإسلام، ومن جَميع الشَّرائع السَّماوية الأُخْرى؛ فقد أَجْمع أهلُ المِلَل وجَميعُ العُقلاء على تَحريمه، فلم يحلَّ في ملَّة قطُّ، وذلك لما يجلب على المجتمعات من سخطِ الله وعقابِه، وإشاعة البغضاء بين النَّاس؛ وقد قرَن الله - جلَّ وعلا - الوعيدَ عليْه بالوعيد على الشّرْك وقتل النَّفس، فقال - سبحانه في صِفات عِباد الرَّحْمن -: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِإِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّابِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْلَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69].
وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))؛ متفق عليه.
وروى البُخاريُّ في حديث المِعراج أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((رأى رجالًا ونساءً عُراةً على بناءٍ شبه التنُّور، أسفلُهُ واسعٌ، وأعلاه ضيِّقٌ، يوقَد عليهمبنارٍ من تَحتِه، فإذا أوقدت النَّار، ارْتَفعوا وصاحوا، فإذا خَبَتْ عادوا، فلمَّا سأل عنهم؟أُخْبِر أنَّهم هم الزُّناة والزَّواني)).
ولا شك أن الإثم والقبح يزداد إن كان عن اغتصاب؛ ومن ثمّ ذهب كثير من أهل العلم السابقين، وهو قول هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية أنه يقام على المغتصب حد الحرابة المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة: 33] .
إذا تقرر هذا، فقد أجمع أهل العلم على وجوب رد المظالم والحقوق إلى أهلها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه؛ فحمل عليه))؛ أخرجه البخاري.
أما أعظم ما يعينك على الصبر على أقدار الله المؤلمة، فهو الثقة في عدل الله تعالى، فما قُدّره الله سبحانه من على عبده من المصائب يَجِب الصبر عليه، والاستسلامُ له؛ فإنه مِنْ تَمام الرِّضا بالله ربًّا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع فتاوى ابن تيميَّة" (2 / 494): "... والمؤمِنُ مأْمُور عند المصائب أنْ يصبرَ ويُسَلِّمَ، وعند الذنوب أنْ يسْتغفرَ ويتوبَ؛ قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}[غافر: 55]، فأَمَرَهُ بالصبر على المصائب، والاستغفار من المعائب-يعني: الذنوب -، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، قال ابن مسْعود: هو الرجُل تُصيبه المصيبةُ، فيَعْلم أنَّها مِنْ عند الله، فيرضى ويُسَلِّم.
فالمؤمنون إذا أصابَتْهم مصيبةٌ - مثل: المرَض والفقر والذُّل - صبَرُوا لحُكْم الله، وإن كان ذلك بسبب ذنْب غيرهم، كمَنْ أنْفَق أبوه مالَه في المعاصي، فافْتَقَر أولادُه لذلك، فعَلَيْهم أن يصْبروا لما أصابَهم". اهـ.
فالمؤمن الحق يعصمه الله ويوفقه للصبر، ويتذكر أن الله تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، كتب على نفسه الرحمة؛ وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب عضبه، ولم يمتحن عباده ليهلكهم، ولا ليعذبهم، وإنما ليمتحن صبرهم ورضاهم عنه، وإيمانهم، وليسمع تضرعهم، وابتهالهم، وليراهم طريحًا ببابه، لائذين بجنابه، مكسورين القلب بين يديه، رافعين قصص الشكوى إليه.
فاحتسبي الأجر الجزيل عند الله تعالى حتى تفوزي برضاه سبحانه، وزيادة حسناتك ورفع درجاتك في الآخرة؛ قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} إلى قوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط "؛ رواه الترمذي وعن أنس.
وأكثري من الأدعية المأثورة: "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي؛ إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحاً. قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
"اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت".
"لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم"..
"الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً"..
"لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"،، والله أعلم.
- المصدر: