أريد أن أتوب من علاقة عبر الأنترنت

منذ 2024-09-11
السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته لا أدري كيف أبدأ رسالتي هذه قبل مدة كنت شخصا ضائع أرتكب المعاصي كنت أراسل الفتيات عبر مواقع التواصل و تعرفت على إمرأة متزوجة في البداية لم تخبرني بذلك و كنت اكلمها و تكلمت معها في مواضع جنسية(زنا عبر الشات)و بعدها أخبرتني و لكن واصلت التواصل معها و واصلت نفس الذنب الكلام الجنسي معاها و بعد أيام أفقت من غفلتي وقمت بحظرها و تبت و لكن الآن كلما أتذكر ما قمت به أحس بضيق في صدري فما كفارت هذا و هل هذا يعتبر مثل الزنا و له نفس الإثم وهل بجب أن أستسمح زوجها

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فَالحمَدِ الله الذي مَنَّ عليك بالإفاقة من ظلمة المعصية إلى نور الهداية، ووفقك للتوبة، وأن تتفتح بصيرتك فتستشعر قبح وسخف ما تفعله من ظلم لفسك ولغيرك؛ قال الله تعالى: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}[الشورى: 13]، فالله سبحانه يمنُّ على عبده بالهداية ويجذبه إلى حماه، بعد عودته إليه سبحانه، وقد يكون ابتداء ذلك قصد العبد وعمله، وعبادته ومجاهدة هواه، وقد يمن الله عليه ابتداءً باجتبائه إليه وإنابته إلى مولاه، قال الله تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة: 16]، فإنابة العبد لربه هو السبب الذي يتوصل به إلى هداية الله تعالى، وانجذاب دواعي قلبه إليه.

فاحرص على الثبات على التوبة، ولتضنَّ بدينك حتى لا ترجرع إلى الظلام وخمود القلب، عفانا الله وإياك.

ومن أعظم ما يعينك على الثبات على التوبة تحقيق توحيد الله في أسمائه الحسنى وصفاته العلى؛ فبأسمائه الحسنى نتذلل له ونعبده، وبصفاته العليا ندرك حكمته وقدرته، وقد قال تعالى:

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ} [الأعراف: 180].

وتأمل عفو الله سبحانه وتعالى، ومغفرته لعباده مهما كانت سيئاتهم، وأنه عز وجل غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ومهما عظم والذنب، وقبح الكفر وغلظ الشرك، فإن التوبة تمحو ذلك جميعًا، والله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، ولم يستثنى من هذا إلا من تاب بعدما رأى ملك الموت؛ قال الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119]، وقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71]، وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقوله:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْ} [مريم: 60]. تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، فكل من تاب لله توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله:- فإنه يقطع بقبول توبته تفضلاً من الله ورحمة؛ لأن المغفرة من وعد الله والله لا يخلف الميعاد؛ قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25].

والله – سبحانه - يَهدي سُبُل السلام، ويُخرج من الظُّلمات إلى النور، ويهدي إلى صراطِه المستقيم في الدّنيا والآخِرة = كلَّ مَن سلك سبيل الهُدى وسار فيه، ويُعينُه – سبحانه - على الهُدى؛ كما قال عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وقال: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27]، فيقضي سبحانه بالهدى لكل من رجع إليه.

أما ما حدَث بينك وبين المرأة فهو نتيجةٌ حتميةٌ للاستخدام الخاطئ للإنترنت، وللتساهُل المحرَّم مع النفس.

أما ممارسة الجنس عبر الانترنت فليس من الزنا الحقيقي، وإنما هو من الزنا المجازي الذي يكون مقدمة وخطوة في سبيله؛ ففي الصحيحين عن أبي هُريْرة قال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: "كُتِبَ على ابْنِ آدم نصيبُه من الزِّنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة، فالعَيْنان زِناهُما النَّظر، والأُذُنان زناهُما الاستِماع، واللِّسان زناه الكلام، واليد زِناها البطْش، والرِّجْل زِنَاها الخُطَى، والقلب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرج ويُكَذِّبُهُ".

فتلك الأفعال بلا شك تؤجج الشهوات، وتسهل الوقوع في الزنا الحقيقي؛ وقد قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النور: 21].

فاستعن بالله ولا تعجز وخذ نفسك دائمًا بالحزم، وأخرج من قلبك الشهوة والشبة تضمن عدم الرجوع للذنب، ومن تَمام توبتِك وتَحقيقها أن تَبتعدي كلَّ البُعْدِ عن الدخول على "الإنترنت" جملةً! ولو لفترة، ولْتَبْحث عن صُحْبة أهْل الخير، ومع الحِرْص على القيام بالواجبات الشرعيَّة، وشغْل النَّفس بالطَّاعات مع الإكثار من الأعمال الصالحة؛ فإنَّ ذلك مما يطمئِن القلب ويصرِفُه عن دواعي الشَّرّ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 100]، وقال: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]،  مع صدق اللجوء إلى الله بالدعاء والاستعانة والاستعاذة والتوكل.

ولا يجب عليه الاعتذار مع زوج تلك المرأة لما يترتب عليه من فساد أكبر ولكن ادع له بالخير، مع المواظبة على فعل الخير،، والله أعلم

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 0
  • 641

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً