حكم الزواج من شاب يسب الدين

منذ 8 ساعات
السؤال:

تقدم لخطبتي شاب ونحن متفاهمين واشعر بالحب اتجاه وهو يصلي ويصوم ولكني لاحظت عندما يغضب في بعض الامور التي نتناقش بها يقوم بسب الدين ويكفر وتكررت هذه الحالة ثلاث مرات ويستغفر بعدها ويقول انت جعلتيني افقد اعصابي وانا حاليا افكر هل حرام اتزوج بهكذا شخص وافسخ الخطبة ام يجوز الزواج

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فمما لا شك فيه أن الزوج وبناء الأسر من أخطر الأمور التي حرص الشارع الحكيم أن تبنى على أساس متين، وأنَّ اللاَّئق بالفتاة العاقلة ذات الدين والمروءة أن يكون الدِّين وحسن الخلق مطمح نظرِها في كلِّ شيْءٍ، لاسيَّما فيما تطول صحبتُه، ولذلك أمر النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بذلك، فقال: ((إذا خطب إليكم مَن تَرْضَوْنَ دينه وخلُقه فزَوِّجوه، إلا تَفْعَلُوا تكن فتنةٌ في الأرض، وفساد عريض))؛ رواه الترمذي.

والحكمةِ من أن الشارع الحكيم أوجب أن يكون الزوجُ مرضي الدين والخُلُق، لكونه رئيسُ البيت، ولا يؤمن أن يفسد على الزوجة دينها، كما لا يُؤمَن على الأولاد من ذلك، والسلامة في الدين لا يعدلها شيء، ومَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا، والنظر في العواقب من شأن العقلاء.

وتكرار هذا الخاطب لسب الدين وأنتم لا زلتم في فترة الخطوبة، دليل على أن الفساد مُتأصِّل في مسارب النفس وشعابها وحناياها ودروبها الكثيرة، مما يجعل الاستمرار في هذه الخطبة محفوف بالمخاطر الكبيرة غير محسوبة العواقب؛ فالذنوبُ التي مِن هذا الجنس تكون متشعِّبة في كل خلية من خلايا الجسد؛ مما يَجعل الإقلاع عنها يَتطَلَّب مع التوبة والعزم على عدم العود قوةً وجهدًا مَبْذُولًا، وتقوى لله واستعانة به، وافتقارًا إليه، ولا يمكن الجزم بشيء من هذا!

هذا؛ وقد أجمع أهل العلم على كفر سب دين،  وأن من نطق بكلمة الكفر عالمًا بمعناها عامدًا، غير مكره فهو كافر بالله تعالى، سواء استحل أو لم يستحل اعتقد ذلك أو كان زاهلاً عن معتقده.

قال أبو محمد بن حزم في "الإحكام"( 1/45): " الكفر .. هو في الدين صفة من جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحجة عليه، ببلوغ الحق إليه، بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان". اهـ.

وقال في "المحلَّى بالآثار" (12/ 438): "كلُّ مَن سبَّ الله تعالى، أو استهزأ به، أو سبَّ ملكًا مِن الملائكة، أو استهزأ به، أو سبَّ نبيًّا مِن الأنبياء، أو استهزأ به، أو سبَّ آيةً مِن آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها، والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافرٌ مرتدٌّ، له حكم المرتد"؛ اهـ.

وقال في "الفصل": "كل من ينطق بالكلام الذي يحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر، لا قارئاً ولا شاهداً ولا حاكياً ولا مكرهاً، فقد شرح بالكفر صدراً". اهـ.

وقال ابن نجيم: "إن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعبًا، كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كناب "الإيمان"(ص: 174-175): "وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً، فقد شرح بها صدراً وهي كفر؛ وقد دل على ذلك قوله تعالى: قال الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66]، فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه، منعه أن يتكلم بهذا الكلام. والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه". اهـ.

ونقل صاحب المحيط كما في درر الحكام في الفقه الحنفي 1/324 الإجماع من كافة العلماء على كفر من نطق بكلمة الكفر ولو كان غير معتقد لما نطق به .

وعليه فلا يجوز الاستمرار في تلك الخطبة ،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 0
  • 73

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً