أحاول التوبة والثبات عليها

منذ يوم
السؤال:

انا شاب عندي ١٦ سنه الحمدلله بصلي وبصوم وبعمل الفرائض لكن للأسف فس ذنب يراودني انا للأسف بتفرج على افلان اباحيه ولكن بحاول والله اتوب اتمني من الله توبه وثبات عليها طالب طريقه اتخلص من هذه العاده ثانياً كان يوجد شخص طلب مني ان يفعل معي شئ محرم اكثر من ذالك لكن والله رفضت رفض قاطع ولكن انتهي الامر ان هو يبعتلي صور خادشه و انا نفس الكلام بس بسبب الشيطان والله نفسي اتوب ومش عارف لكن الحمد لله قطعت علاقتي معاه ولكن ضميري بيأنبني مش عارف انام هل ده يعتبر زنا ؟ انا مش متخيل والله بس حد يساعدني

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ

فإنَّ مشاهِده المقاطع الإباحية من المحرمات والبلايا التي ابتُلِي بها المسلمون في دينهم، حتى جرّت عليهم الفتن والويلات ما يستحيّ من ذكره، فكم من جريمة ارتُكبت، وكم من أعراض انتُهكت، وحدودٍ تُعُدِّيت، وحياءٍ ذهب، وأخلاقٍ تحطمت من جرائها؛ والواقع خير شاهد وأصدق دليل. والواجب على من أبتلي بتلك القاذورات المبادرة بالتوبة النصوح، والاستِغْفار، والعزم على عدم العود، والندم على الفعل؛ فإن التَّوبة تَمحو جميع السيِّئات، وليس شيءٌ يَغفر جميع الذُّنوب إلاَّ التَّوبة، حتى الشرك والكفر والنقاق يغفره الله تعالى للتائبين؛ كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

هذا؛ وسألخص لك بعض الطرق المجربة كيما تكون عونا لك على التوبة والإقلاع عن الذنب:

منها: الحذر والخوف من شؤم المعصية، وما تؤول به في حق من تمادى، ولم يجاهد نفسه حتى؛ خصوصًا وأن مشاهدة تلك المقاطع المنحرِفة تشعل نار الشَّهوة، وتستدعيها، حتى توقع صاحبها في مهاوي الرَّذيلة.

منها: إعمال العقل، فإن الله سبحانه خلق العقل وفضله بتأمل العواقب والنظر فيها؛ فمن وقف على موجب الحس هلك، ومن تبع العقل سلم؛ وإنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة حتى لا يرى إلا الحال الحاضرة، ولا غفلة لكامل العقل.

جاء في "صيد الخاطر" (ص: 463) لابن الجوزي: "من سار مع العقل، وخالف طريق الهوى، ونظر إلى العواقب، أمكنه أن يتمتع من الدنيا أضعاف ما تمتع من استعمل الشهوات. فأما المستعجل فيفوِّت على نفسه حظ الدنيا والذكر الجميل، ويكون ذلك سببًا لفوات مراده من اللذات". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في "الجواب الكافي": "فلو نظر العاقل ووازن بين لذَّة المعصية وما تولّد فيه من الخوف والوحشة، لعلِم سوء حاله، وعظيم غبْنه؛ إذْ باع أنسَ الطَّاعة وأمنَها وحلاوتَها، بوحشة المعصية وما تُوجبه من الخوف.

وسرُّ المسألة: أنَّ الطَّاعة تُوجب القُرب من الرَّبِّ - سبحانه - وكلَّما اشتدَّ القرب قوي الأنس، والمعصية توجب البعد من الرَّبِّ، وكلَّما زاد البُعْد قوِيت الوحْشة؛ ولهذا يَجد العبد وحشةً بيْنَه وبين عدوِّه؛ للبعد الَّذي بيْنهما، وإن كان ملابسًا له قريبًا منه، ويجد أنسًا قويًّا بينه وبين من يُحب، وإن كان بعيدًا عنْه، والوحشة سبَبُها الحجاب، وكلَّما غلظ الحِجاب زادت الوحشة، فالغفْلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشة المعصية، وأشد منها وحشة الشِّرك والكفر، ولا تَجد أحدًا يُلابس شيئًا من ذلك إلاَّ ويعْلوه من الوحشة بِحسب ما لابَسه منه، فتعلو الوحشةُ وجْهَه وقلْبَه، فيستوْحِش ويُستوحَش منه". اهـ. مختصرًا.

ومنها: صدق الفِرار إلى الله، وصدق اللجوء، وأخْذ النفس بالشِّدَّة وعدم التَّهاون معها، وتقطع النفس بالندم على ما فات، ومجاهدة النفس، وقهر الهوى والشهوة لله وفي ذات الله سبحانه؛ ومجاهدة النفس، وقهر الهوى والشهوة، وهذا من أعظم فرائض الشرع؛  كما قال - تعالى -: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} [الشورى: 15]، وقال سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات: 40، 41]، والذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة. فظل في دائرة الطاعة.

ونهيُ النفس عن الهوى هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة؛ فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان، وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وهو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأمد لعلاجها. والخوفُ من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة، وقل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى.

ومنها: الاستعانة بالله؛ والتوكل عليه في أن يقيم قلبك ولا يزيغه، ويثبتك على الهدى والتقوى، ، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - في "مجموع الفتاوى" (10 / 635): "فإذا كانت النفس تهوى، وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملًا صالحًا؛ وثبت عنه أنه قال: ((المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله))، فيؤمر بجهادها، كما يؤمر بجهاد من يأمر بالمعاصي، ويدعو إليها، وهو إلى جهاد نفسه أحوج؛ فإن هذا فرض عين، وذاك فرض كفاية، والصبر في هذا من أفضل الأعمال؛ فإن هذا الجهاد حقيقة ذلك الجهاد، فمن صبر عليه، صبر على ذلك الجهاد؛ كما قال: ((والمهاجر من هجر السيئات))، ثم هذا لا يكون محمودًا فيه إلا إذا غلب، بخلاف الأول؛ فإنه: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74]؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الشديد بالصرعة))، وذلك؛ لأن الله أمر الإنسان أن ينهى النفس عن الهوى، وأن يخاف مقام ربه، فحصل له من الإيمان ما يعينه على الجهاد، فإذا غُلِبَ، كان لضعف إيمانه، فيكون مفرِّطًا بترك المأمور، بخلاف العدو الكافر؛ فإنه قد يكون بدنه أقوى.

 فالذنوب إنما تقع إذا كانت النفس غير ممتثلة لما أُمِرَتْ به، ومع امتثال المأمور لا تفعل المحظور؛ فإنهما ضدان؛ قال - تعالى -: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:24]، وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء:65]، فعباد الله المخلصون، لا يغويهم الشيطان، والغي خلاف الرشد، وهو اتباع الهوى، فمن مالت نفسه إلى محرم، فليأت بعبادة الله كما أمر الله، مخلصًا له الدين؛ فإن ذلك يصرف عنه السوء والفحشاء، فإذا كان تائبًا فإن كان ناقصًا، فوقعت السيئات من صاحبه، كان ماحيًا لها بعد الوقوع، فهو كالترياق الذي يدفع أثر السم، ويرفعه بعد حصوله، وكالغذاء من الطعام والشراب، وكالاستمتاع بالحلال الذي يمنع النفس عن طلب الحرام، فإذا حصل له، طلب إزالته، وكالعلم الذي يمنع من الشك، ويرفعه بعد وقوعه، وكالطب الذي يحفظ الصحة ويدفع المرض، وكذلك ما في القلب من الإيمان يحفظ بأشباهه مما يقوم به.

 وإذا حصل منه مرض من الشبهات والشهوات، أزيل بهذه، ولا يحصل المرض إلا لنقص أسباب الصحة، كذلك القلب لا يمرض إلا لنقص إيمانه، وكذلك الإيمان والكفران متضادان، فكل ضدين فأحدهما يمنع الآخر تارة، ويرفعه أخرى، كالسواد والبياض". اهـ.

منها: الحرص على التوبة حتى وإن عدتّ إلى الذنب فلا يَحملنَّك تكرار الذنب على ترْك التَّوبة، أو القنوط، وكلَّما أذنبت ذنبًا فأحدِث توبة وندمًا واستغفارًا، وعزمًا أكيدًا على عدم العود؛ ففي الصَّحيحين عن أبي هُرَيْرة عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما يَحكي عن ربِّه - عزَّ وجلَّ - قال: ((أذْنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهمَّ اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يَغفر الذَّنب ويأخذ بالذَّنب، ثمَّ عاد فأذنب فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: عبدي أذنبَ ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يغفِر الذَّنب ويأخذ بالذَّنب، ثمَّ عاد فأذنب فقال: أي ربِّ، اغفر لي ذنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذنب عبدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخذ بالذَّنب، اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك)).

وقوله: ((اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك))؛ أي: ما دمتَ على تلك الحال، تذنب ثمَّ تتوب.

قال أبو العباس القرطبي: يدلُّ على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسَعة رحمتِه، وحلمه وكرمه، ولا شكَّ في أنَّ هذا الاستغفار ليس هو الَّذي ينطق به اللسان، بل الَّذي يثبت معناه في الجَنان، فيحل به عقد الإصرار، ويندم معه على ما سلف من الأوْزار، فإذا الاستِغفار ترجمة التوبة، وعبارة عنها؛ ولذلك قال: ((خياركم كل مفتَّن توَّاب)) قيل: هو الذي يتكرَّر منه الذَّنب والتَّوبة، فكلَّما وقع في الذَّنب عاد إلى التَّوبة، وأمَّا من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصرّ على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبار؛ إذ لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، وفائدة هذا الحديث: أنَّ العود إلى الذَّنب وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنَّه انضاف إلى الذَّنب نقض التَّوبة، فالعود إلى التَّوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنَّها انضاف إليها ملازمة الإلْحاح بباب الكريم، وأنَّه لا غافر للذُّنوب سواه". اهـ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "جموع الفتاوى"(16/58): "فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش، وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب، فهذه التوبة النصوح وهي واجبة بما أمر الله تعالى.

ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصرَّ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصرَّ من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة". اهـ.

ومنها: الإكثار من الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمعاذ بن جبل يوصيه: ((يا معاذ، اتَّق الله حيثُما كنت، وأتْبِع السيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالقِ النَّاس بخلُق حسَن))،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 90

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً