الافلام الاباحية و مفهوم الإصرار على المعصية
السلام عليكم فضيلة الشيخ، قرات في موقعكم ان الاصرار على مشاهدة الافلام الاباحية من الكبائر. و لكن ما هو مفهوم الاصرار على المعصية، حيث انني كنت اتوقف عن هذه الافلام لفترة و لكن لم تكن هنالك نية للرجوع لكني كنت ارجع و كان لدي وسواس نفسي انني اذا فعلت هذه المعصية لا اتوقف عنها حتى استمر في المشاهدة ساعات و ساعات حتى اشعر انني لا اريد ان اشاهدها مرة اخرى حيث انني و بعد ذلك اتوقف عن مشاهدتها و لكن كنت ارجع مرة اخرى لنفس المشكلة وفهل هذا من الاصرار عاى المعصية.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن الإصرار على المعصية يعاظم الذنب، بل هو معصية مجردة.
أما حدُّ الإصرار: فهو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر، لعله أعظم من الذنب الأول بكثير؛ وهذا من عقوبة الذنب أنه يوجب ذنبًا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يستحكم الهلاك. فالإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك الفارط من المعصية إصرار ورضا بها، وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك؛ قاله الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين"(1/ 199)
ومعلوم أن التوبة ولا تصح إلا بالإقلاع عن الذنب، والعزم الأكيد على عدم العود، فإن عاد إلى نفس الذنب تاب وأقلع وهكذا كلما أذنب.
وجاء في "مجموع الفتاوى" (16/ 58) لشيخ الإسلام ابن تيمية: "... فالتوبة النصوح هي الخالصة من كل غش. وإذا كانت كذلك كائنة فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه، فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب؛ فهذه التوبة النصوح، وهي واجبة بما أمر الله تعالى. ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يُصِرّ، بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة؛ فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب العبد المفتن التواب"، وفي حديث آخر: "لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار"، وفي حديث آخر: "ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة". اهـ.
والحاصل: أن المسلم كلما كان صحيحَ الاعتقاد يحب الله ورسوله، فإنه إذا أذنب يبادر بالتوبة؛ كما في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يحكي عن ربه عز وجل، قال: " أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك".
قال أبو العباس القرطبي في "المفهم"(7/ 85- 86): "يدل على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته، وحلمه وكرمه، ولا شك في أن هذا الاستغفار ليس هو الذي ينطق به اللسان، بل الذي يثبت معناه في الجنان، فيحل به عقد الإصرار، ويندم معه على ما سلف من الأوزار. فإن الاستغفار ترجمة التوبة، وعبارة عنها، ولذلك قال: "خياركم كل مفتن تواب"، قيل: هو الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة، وأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبار إذ لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار. وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب، وإن كان أقبح من ابتدائه؛ لأنه انضاف إلى الذنب نقض التوبة، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها؛ لأنها انضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذنوب سواه". اهـ.
وعليه، فإن كان من يشاهد تلك القاذورات يتوب ويقلع، فإن توبته صحيحة، فإن عاد فلا يعد حينئذ مصرًا، ولا ناقضًا للتوبة الأولى، وإنما هو ذنب جديد تجب التوبة منه،، والله أعلم.
- المصدر: