هل من تمام التوبة محو رسائلي مع الشباب
السلام عليكم انا فتاة كنت اكلم شبابا و الان ابتعدت عن هذا الفعل اريد ان اسال هل يجب علي ان اطلب منهم ان يمحو محادثاتي معهم في مواقع التواصل و ان يتخلصوا من رسائلي مع العلم ان في رسائلي كانت توجد رسائل صوتية يغلب على ظني عدم وجود ضحكات او خصوع في القول فيها وكانت مواضيعها مواضيع عادية ولكني لست متاكدة تماما عدم وجود ضحكات فيها و لكن هذا ما يغلب على ظني بنسبة اكبر (انا مصابة بالوسوسة) مع العلم اني قطعت الان اشكال الاتصال بهم فهل اعيد الاتصال بهم ليمحو رسائلي ام اكمل في طريقي في عدم التحدث معهم
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن من سعة رحمة الله تعالى أنه يقبل توبة كل من رجع إليه نادمًا مستغفرًا، حتى وإن بقي الأثر السيء للذنب، كتلك المحادثات بين الجنسين أو الصور أو المقاطع السيئة، وإنما يتوجب على العبد أن يكثر من الأعمال الصالحة.
وقد حرر تلك المسألة الدقيقة - أعني من تاب إلى الله توبة صادقة وبقيت بقية من أثر ذنبه - شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/185- 186) حيث قال: "فالمغفرة العامة لجميع الذنوب نوعان:
أحدهما: المغفرة لمن تاب كما في قوله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، إلى قوله: {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}، فهذا السياق مع سبب نزول الآية يبين أن المعنى لا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت؛ فإن الله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب.
وقد دخل في هذا العموم الشرك وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى يغفر ذلك لمن تاب منه؛ قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: 5]، إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 5]، وقال في الآية الأخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة: 11]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، إلى قوله {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 74]. هذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه - كما دل عليه القرآن والحديث - هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب، كقول بعضهم: أن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطنًا؛ للحديث الإسرائيلي الذي فيه: (فكيف من أضللت)، وهذا غلط؛ فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة".
وكذلك توبة القاتل ونحوه؛ وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة.
فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص.
فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا رادَّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء". اهـ. مختصرًا.
وجاء في "الآداب الشرعية والمنح المرعية" (1/ 110): "... قال ابن عقيل في الإرشاد: الرجل إذا دعا إلى بدعة ثم ندم على ما كان، وقد ضل به خلق كثير، وتفرقوا في البلاد وماتوا- فإن توبته صحيحة إذا وجدت الشرائط، ويجوز أن يغفر الله له ويقبل توبته ويسقط ذنب من ضل به، بأن يرحمه ويرحمهم وبه قال أكثر العلماء". اهـ.
إذا تقرر هذا علمت أن باب التوبة مفتوح دائما لكل من قصده، والله تعالى جواد كريم عفو غفور، ورحمته تسبق غضبه، والرحمة أحب إليه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
وأعظم ما يعين على الثبات على التوبة قراءة القرآن العظيم بتدبلا، مع الإكثار من الاستغفار؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان أعظم الخلق، كان أكملهم توبة، وأكثرهم استغفارًا؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"، وعن ابن عمر قال: "كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم"؛ رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره كل يوم مائة مرة"؛ رواه أحمد والأحاديث في هذا المعنى الشريف أشهر من أن تذكر، وإنما نشير إشارة.
والله تعالى قد فتح أبواب رحمته على مصاريعها بالتوبة، وطمَّع في رحمته ومغفرته أهل المعاصي مهما يكونوا قد أسرفوا في المعصية، ويدعوهم إلى الأوبة إليه غير قانطين ولا يائسين، فليس بين من أسرف في المعصية، ولجَّ في الذنب، وأبق عن الحمى، وشرد عن الطريق إلا التوبة والأوبة، وأن يلج الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، ولا يحتاج فيه إلى استئذان، فلا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت. فالتوبة الصادقة هي حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسماها، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222].
قال الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين"(1/ 313): "وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها، فضلاً عن القيام بها علمًا وعملاً وحالاً، ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه، ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيل التوبة وآثارها". اهـ. مختصرًا.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: