مناط التكفير لمن أحب الكفار

منذ 6 ساعات
السؤال:

قرأت في الموقع كلام اخافني جدا عن مسألة محبة الكافر فأنا تعاملت معهم كثيرا منذ صغري لكن لا استطيع نسيان مساعدة بعضهم لي رغم انني لا اتعامل معهم حاليا كأصدقاء بسبب البعد ولكن لا استطيع نزع محبة اثنين أو ثلاثة من قلبي لانهم ساعدوني ومدحوني كثيرا ، أنا خائف جدا ،هل علي ان اقول الشهادة؟ وهل قول ان المعلم الفلاني النصراني أطيب في التعامل من آخر مسلم كفر ؟ الخلاصة هل المنع لان المحبة في حد ذاتها كفر أم قد تؤدي الي كفرفأنا احيانا أقدم علي أفعال مثل مدح احدهم او حبه لا إراديا وهذه عادة صعب تغييرها

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ،

فإن الله عز وجلّ أوجب على المؤمن محبة المؤمنين، وموالاتهم، ونصرتهم والدفاع عنهم؛ كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض} [الأنفال: 72].

وأواجب معاداة الكفار، وبغضهم والموالاة هي: المعاشرة والمخالطة بدون حاجة لا لبيع ولا لشراء ولا للدعوة إلى الله، فيتخذ الكافر صديقًا، والحب والموالاة الممنوعة هي محبتهم بالقلب، وهي تقتضي نصرتهم وإعانتهم على المسلمين، وهي ردة، فمن أحب الكافر بقلبه وأعانه على المسلمين بالسلاح أو بالرأي أو بالمال فهو كافر مثله؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} [المائدة:51]، فموالاة ومحبة الكافر لكفره، كفر، وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِي} [الأنفال: 73].

أما الحب المطلق للكافر وهو الناشيء من أجل النفع الذي وصل إليه منهم، فليس محرمًا، كمحبة الرجل لزوجه الكتابية، أو حبه لوالده الكافر، فمحبةٌ الكافر بسبب النفع المُقَيَّد الحاصل للمسلم منه، لا شيء فيه؛ لأنَّ النفوس جُبِلَتْ على حب من أحسن إليها، ويشترط أن تكون تلك المودة الحاصلة من الإحسان أو نحو ذلك في غير المحاربين.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في: "مجموع الفتاوى" (35/ 94)والواجب على كل مسلمٍ أنْ يَكُونَ حُبُّهُ وبُغْضُهُ، وموالاتُه ومعاداته تابعاً لأمر الله ورسوله؛ فيُحِبُّ ما أَحَبَّهُ الله ورسولُه، ويُبْغِضُ ما أَبْغَضَهُ اللهُ ورَسُولُهُ، ويُوَالِي مَنْ يُوالي اللهَ ورسولَهُ، ويُعَادي مَن يُعادي اللهَ ورسولَه. ومن كان فيه ما يُوالَى عليه من حسناتٍ وما يُعادَى عليه من سيئات عُومل بموجب ذلك، كفُسَّاقِ أهْلِ المِلَّةِ؛ إذ هم مستحقون للثَّواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحُبِّ والبغض؛ بحسب ما فيهم من البِرِّ والفُجور، فإنَّ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]. وهذا مذهب أهل السنة والجماعة". اهـ

وقال (7/ 17) - بعدما ذكر قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22] -: "فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب. ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ* وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون} [المائدة: 80، 81]، فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط، بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}. فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب؛ ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى {لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]،  فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم".

إذا تقرر هذا؛ علم أن الموالاة والحب الممنوعين هي محبتهم القلبية، والتي ينشأ عنها نصرتهم على المسلمين بالمال أو السلاح أو الرأي، فإذا أحب المسلم الكافر المحارب أو أعانه على المسلمين وهم يقاتلون المسلمين بسلاحه أو بماله أو برأيه= فخرج من الإسلام بالكلية؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]. أما من يتخذ الكافر عشيراً وصديقاً بدون حاجة فهذه كبيرة من كبائر الذنوب؛ لخلوها عن النصرة للكافر، ولأنه لا يحُبُّه لكُفْره.

والحاصل أن حبّ المرْءِ لمن أحسنَ إليه أو أعانه هو من الحُبّ المباح، ما دام لم يؤثر في بُغْضه لكفر الكافرين؛ ومن تأمل قولُه تعالى واصفًا حال نبيّه صلى الله عليه وسلم مع عمِّه أبي طالب الذي مات على الكفر علم هذا، قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، فأثبت اللهُ تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم محبَّةَ عمّه الكافر، ولم يَعْتَبْ عليه هذه المحبّة، ولا لامَهُ عليها؛ فدلّ أنها لا تعارض كمال الإيمان؛ كيف وهي حال سيد الخلق، وأعلمهم بالله وأتقاهم، أكملهم إيماناً صلى الله عليه وسلم.

وهذا يظهر بجلا أن مناط التكفير في مسألة حب الكفار وموالاتهم هو عَمَلُ القلب، فحُبّ الكافر لكُفْره، أو تمنِّي نصرتهم على المسلمين، أكفر أكبر، وغيره أما ذنب إن كان بغير حاجة ولا سبب، أو مباح إن كان بسبب طبيعي،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 31

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً