الدعاء وتأخر الزواج
انا عندي ابتلاء تأخر زواجي وعمري ٣٥ وبقالي سنين بدعي ربنا سبحانه وتعالي انه يرفع عني البلاء ده وباذن الله ربنا يقدر لي اجابة دعاء ويفرج عني انا مش عارفة اتقبل فكرة ان ممكن اكمل باقي عمري بالابتلاء ده وانا في كدر وحزن ولو عدي قدامي حتي حديث ان الدعاء ممكن يجاب بثلاث اتضايق جدا لاني مش عايزه غير احابة الدعاء بالشكل اللي انا برتجيه من الله عز وجل اتا خايفة ده يكون سخط علي قضاء ربنا وانا عارفة ان من رضي له الرضا عايزه اتعلم ارضي بالقدر حتي يحين الفرج باذن الله
فالذي يظهر من سؤالك أن الشيطان قد لبّس عليك حتى أوقعك في عدم الرضا عن الله سبحانه وتعالى وتقدست أسماؤه؛ فالمؤمن إنما يعبد الله ربه شكرًا له على هدايته إليه، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به، فإن كان ثمّ جزاء فهو فضل آخر من الله، والمؤمن لا يجرب الله؛ فهو مؤمن بقضاء الله وقدره، الذي خلاصته: أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ورى أحمد وأبو داود ن ابن الديلمي، قال: أتيت أبي بن كعب، فقلت: له وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني بشيء لعل الله أن يذهبه من قلبي، قال: «لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار»، قال: ثم أتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت حذيفة بن اليمان، فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك"
وليس من شأن المؤمن أن يعبد ربه بحساب الربح والخسارة - الذي يصلح في التجارة - إلا أنه لا يصلح لعقيدة المؤمن الراضي بكل ما يناله من السراء والضراء، فالإسلام هو الاستسلام الكامل من المخلوق الضعيف للخالق العظيم، وليس صفقة في السوق بين بائع وشارٍ.
والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى وراحة البال؛ كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].
وتأملي رعاك الله آيات الفتنة في سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ* مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنإَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 2 - 6] إلى قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ }[العنكبوت: 10].
أما دعاء المسألة فهو إخلاص القلب لله، والثقة بالاستجابة، مع عدم اقتراح صورة معيَّنة لها، أو تَخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس من أدب السؤال، فالتوجُّه للدعاء هو محض فضل وتوفيق مِن الله تعالى، والاستجابة فضل آخر، والله تعالى حين يقدِّر الاستجابة يقدِّر معها الدعاء، فهما مُتوافقان مُتطابقان.
وعلى العبد أن يدعو ربه ولا يستعجله، فهو سبحانه يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم وهو الغني عن العالمين.
وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاستعجال ففي الصحيحَين عن أبي هُرَيرة: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ، فيقول: قد دعوتُ فلا، أو فلم يُستجَب لي"، وفي رواية لمسلم: "لا يَزال يُستجاب للعبد ما لم يدْعُ بإثم أو قطيعة رَحِم، ما لم يستعجِل"، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوتُ وقد دعوتُ، فلم أرَ يَستجيب لي، فيَستحسِر عند ذلك ويدَعُ الدعاء"، وقوله: "فيَستحسِر"؛ أي: يَنقطع عن الدعاء.
فاستجابة الله تعالى لمن دعاه أمرٌ مِن وعد الله الذي لا يتبدَّل، ولكن الاستجابة تتنوَّع، فتقع بعين ما دُعِي به، أو بعوضه، أو بادِّخار الأجر، وقد يَختار الله تعالى له برحمته القائمة على الحكمة غير ما سأل العبد، فيَدفع عنه من البلاء، وقد يدَّخر له في الآخرة الأجر والثواب، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم وأهليهم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث؛ إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها في الآخرة، وإما أن يَصرف عنه من السوء مثلها"، قالوا: إذًا نُكثِر، قال: "الله أكثر"؛ رواه أحمد والحاكم.
ولكنَّ الإنسان خُلق عَجولًا يُبادر الأشياء، ويستعجل وقوعها، ويُريد تحقيق كل ما يخطر له وإن كان فيه هلاكه، أو ضرره وإيذاؤه، ولما كان الله تعالى يعلم ما يصلح لعبده كان الواجب على العبد أن يوكل الأمر كله لله فلا يتعجَّل قضاءه، فالإيمان ثقة وصبر واطمئنان، ولا يقطع رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة، فإنه سبحانه يحبُّ الملحين في الدعاء؛ لأنه من أعظم العبادات؛ لما فيه من الخضوع والافتقار، فكلُّ داعٍ يستجاب له ولكن تتنوع، والله تعالى أمرَنا أن ندعو الله - ونحن موقنون بالإجابة - وأن نحزِم المسألة؛ لأن الله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قديرٌ، ولكنَّ الدعاء - وإن كان من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب - إلا أنه قد يتخلفُ عنه أثرُه؛ إما لضعفِه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبُّه الله؛ لِمَا فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيَّته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرِّخو جدًّا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذُّنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة، والسهو، واللهو، وغلبتها عليها، وغيرها من موانع الاستجابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/ 192):
"الدُّعَاءُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِجَابَةَ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي اقْتِضَائِهَا الْإِثَابَةَ، وَكَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فِي اقْتِضَائِهَا الْمُسَبَّبَاتِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ عَلَامَةٌ وَدَلَالَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْؤولِ لَيْسَ بِسَبَبٍ، أَوْ هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، لَا أَثَرَ لَهُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ؛ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، بَلْ مَا يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ، يَحْصُلُ بِدُونِهِ، فَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَلَّقَ الْإِجَابَةَ بِهِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، فَعَلَّقَ الْعَطَايَا بِالدُّعَاءِ تَعْلِيقَ الْوَعْدِ وَالْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "إنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا أُلْهِمْتُ الدُّعَاءَ؛ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَأَيْضًا؛ فَالْوَاقِعُ الْمَشْهُودُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَيُبَيِّنُهُ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ أَخْبَرَ - سُبْحَانَهُ - مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75]، وقَوْله - تَعَالَى -: {وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 78، 79]، وَقَوْلِهِ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل: 62]، وقَوْله - تَعَالَى - عَنْ زَكَرِيَّا: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 80]، وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرِّ إذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى: 33 - 35]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَوْبَقَهُنَّ؛ فَاجْتَمَعَ أَخْذُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَعَفْوُهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا، مَعَ عِلْمِ الْمُجَادِلِينَ فِي آيَاتِهِ أَنَّهُ مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ؛ يَعْلَمُ الْمُورِدُ لِلشُّبُهَاتِ فِي الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الرَّبِّ، وَقُدْرَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَرَحْمَتِهِ - أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ؛ كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13]؛ فَإِنَّ الْمَعَارِفَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي النَّفْسِ بِالْأَسْبَابِ الِاضْطِرَارِيَّةِ أَثْبَتُ، وَأَرْسَخُ مِنْ الْمَعَارِفِ الَّتِي يُنْتِجُهَا مُجَرَّدُ النَّظَرِ الْقِيَاسِيِّ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ هُوَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْئُولِ، لَيْسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا هُوَ عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
الْأَمْرُ هُوَ سَبَبٌ - أَيْضًا - فِي امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، فَالدُّعَاءُ سَبَبٌ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ، فَإِذَا كَانَ أَقْوَى مِنْهُ، دَفَعَهُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْبَلَاءِ أَقْوَى لَمْ يَدْفَعْهُ، لَكِنْ يُخَفِّفُهُ، وَيُضْعِفُهُ، وَلِهَذَا؛ أُمِرَ عِنْدَ الْكُسُوفِ وَالْآيَاتِ بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: