الحجاب بين تشدد متأخرى الحنابلة وفقه أصول الدعوة
الحمد لله رب الأرباب سريع الحساب
الواسع الرحمة الشديد العقاب
الذى أنزل الكتاب ليتذكر أولوا الألباب
وأشهد ألا إله إلا الله منزل المطر ومسخر السحاب
وأشهد أن محمد رسول الله وأصلى عليه وعلى آله الأحباب
وعلى السائرين على الدرب المتبعين للسنة والكتاب وبعد
بعد أن أشتد الخلاف حاليا على أمر النقاب وغلا بعض الناس فيه غلوا
شديدا إن دل على شىء فإنه يدل على أن بعض الناظرين فى الأمر
شديدى البعد عن التدبر لأصول الشريعة وفهم النصوص على مدار
هذه الأصول هذا مما يؤسف له وهذا ما انتشر حاليا وظهر بين الناس
مما دعا لهذه التذكرة ومما دعا أيضاً إلى ذلك سؤال سأله لى كثير من الإخوة عن حكم النقاب
هل هو واجب وفرض أم هو سنة مؤكدة!؟؟
وبداية أقول
لاشك أن النقاب كان موجودا فى زمن التشريع والوحى
وعاصر وجوده زمن النبوة بل لعله كان قبل ذلك الزمن
والكلام ليس على إباحة النقاب وندبه هذا أمر معروف ومشهور ولاخلاف عليه
ولك ن الكلام على القول بفرضية النقاب وحمل الناس على هذا المذهب المتشدد فى ذلك
وتهديد غير المنتقبة بالوعيد الشديد فإن لم يكن كذلك فلعل القائل به يخيفها
بطريقة أو بأخرى حتى يلزمها بالنقاب حتى يطمئن إلى انتشار مذهبه بطريقة أوبأخرى
وهذا يدل على التعصب الذى لامبرر له والتشدد المنفر والذى يضر أكثر مما ينفع
بل وللأسف يدل على غياب النظر الأصولى المتدبر للنصوص والقواعد الكلية للشريعة
التى يستطيع المسلم من خلالها الوصول إلى الحكم المراد والفهم الذى يدفع الناس إلى طريق الله عزوجل بغير تفريط ولاإفراط
وما دفعنى إلى الكلام فى هذه الجزئية من الشريعة حاليا إلا أمراً غاية فى الأهمية
وهو
أن الداعى وهو يتكلم ويدعو الناس لاينظر إلى الأحوال التى عليها الناس
ولاينظر إلى قرب الناس وبعدهم عن الإلتزام بأوامر الله وهذا الحال لايشغل باله على الإطلاق
والناظر فى الأحوال يجد التبرج الشديد والسفورالذى يكاد يصل إلى حد التعرى الكامل
ونفرة النساء (إلا من رحم الله) من الحجاب فضلاعن النقاب
وأن الحجاب فى نظر الكثير رجالا كانوا أو نساءً من التخلف....... والعرى والسفور من التقدم
بل ترى كثيرا من الرجال من يرفض تمام الرفض الحجاب لزوجته وبناته ويعارضهم فى ذلك معارضة شديدة
وحين يرى الداعى الحال على ما ذكرنا العلمانيون يضربون على هذا الوتر ويزعمون أنهم لايقبلون من الأحاديث إلا المتواتر وهم لايعرفون أقسام المتواتر بل هم يقصدون المتواتر اللفظى فقط
نسوا تماما بل قل لاعلم لهم تماما أن هناك من المتواتر الحديث المتواتر المعنوى
وهو الحديث الذى تواتر معناه دون لفظه ووافق أصول الشريعة وقواعدها
ووسط هذا الكم من الشبهات والشهوات
فلابد أن ينظر الداعى بحرص وفهم بالواقع وهويخاطب الناس وأغلبهم من العوام
ولابدله من التخفيف ما وجد لذلك سبيلا دون تفريط
وأقول التخفيف لا التفريط
وخصوصا وأن أعداء الإسلام واتباعهم يتربصون بالإسلام وأهله
ولايتركون ثغرة مهما كانت صغيرة إلا وحاولوا المرور منها للطعن فى الإسلام
والداعى الواعى لابد له أن يتفهم ذلك
ولايتشدد حتى لايؤتى الإسلام من جهته
ولوكان النقاب فرضاً كما يزعم القائلون بفرضيته
فلابد من مراعاة الواقع والنظر فيما يصل به إلى مايريد برفق
فما بالك وأن القائل بفرضية النقاب خالف الأصول وقلب الموازين تماما
وتشدد فيما لايجب فيه التشدد بحال
وغالى غلوا منفرا مما فتح الطريق لأعداء الإسلام فى بيان أن الإسلام يريد أن يعيد المرأة إلى عصرالإماء وعصر الرجل
وأن المرأة تابع لا قيمة لها ولا فكر
وأن مكانها البيت وحده
ولاطريق لها ولانجاة لها يوم القيامة غير ذلك
وإن فعلت خلاف ذلك فهى الآثمة المتعدية لحدود الله
ولو عاد للعصر النبوى لوجد خروج المرأة فى الحروب لمدواة الجرحى وهى أخطر المواطن التى يخشى على المرأة فيها من الوقوع فى الأسر
وما يحدث لها فيه من الإمتهان الشديد
ورغم ذلك الخطر الشديد لم يمنعها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم
وأباح لها الخروج لما فى خروجها من فوائد عديدة وأباح لها التجارة والتكسب والقيام على أموالها ومصالحها
فهلا فهم الدعاة النهج الربانى والمنهج الأصولى النبوى فى التشريع
فلو افترضنا جدلا فرضية النقاب(وهذه سأبطلها بالأدلة والقوعد الأصولية )
أقول أولا:
فلوافترضنا الفرضية المزعومة
أقول
فهلا سرت على ما سارت عليه أصول الشريعة فى التشريع والتطبيق
فمن المعروف أن التبرج والسفورعلى أشده والمحاربون للشريعة يتربصون بها
فلو نظرت أيها الداعى فى أصول التشريع
لوجدت فى زمن التشريع الأول
أن شرب الخمر من الأصول عند أهل الجاهلية والرجل الذى لايشرب الخمر
لعله لايوصف عندهم بالرجولة
بل رويت الأحاديث فى شرب الصحابة للخمر فى أول التشريع وانتشار ذلك
كما ورد فى الحديث وهو فى صحيح البخارى ومسند أحمد وغيرهما يقول الحديث
وصنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر حتى انتشينا قال فتفاخرت الأنصار وقريش فقالت الأنصار نحن أفضل منكم وقالت قريش نحن أفضل منكم فأخذ رجل من الأنصار لحيي جزور فضرب به أنف سعد ففزره قال فكان أنف سعد مفزورا ......الحديث
والشاهدالذى أريده من الحديث شرب الأنصار والمهاجرون للخمر دون نكير
وحتى كان منادى الرسول ينادى فى الطرقات لا يقربن الصلاة سكران
وظل التشريع يأخذ بيد الناس ويتدرج التشريع
حتى جاء وقت قال الناس اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا
وانظر الأثار فى كل كتب التفسير
والنقل من عند الإمام الطبرى 5/33
حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي اسحق عن أبي ميسرة قال قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ! قال : فنزلت الآية التي في البقرة : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } [ البقرة : 219 ] قال : فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ! فنزلت الآية التي في النساء : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [ النساء : 43 ] قال : وكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلاة : لا يقربن الصلاة السكران ! قال : فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ! قال : فنزلت الآية التي في المائدة : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس } إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } فلما انتهى إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } قال عمر : انتهينا انتهينا ! ! - .....انتهى
فانظر
كيف سار التشريع برفق وترفق بالناس فيما هو من عاداتهم ولا يطعن فى أصول التوحيد حتى وصل بهم لمراتب الرقى درجة وبعد درجة حتى علا بهم إلى المقام الذى أثنى عليهم رب الأرباب سبحانه
فهلا ترفقنا فى الدعوة ونظرنا إلى أحوال الناس ونحن ندعوهم
وعلمنا أن النظر إلى الواقع أصل أصيل من أصول الدعوة
ومعرفة ما يرقى بالناس دون أ ن يشعرهم بالعنت والتضييق
وخصوصا أن الواقع به من الأمور التى اعتاد الناس عليها ويصعب عليهم الخروج منها بسهولة
وهى لاتطعن فى إسلامهم بحال
أقول فهلا ترفقنا وتدرجنا فى الدعوة
ولا أقول ترفقنا وتدرجنا فى التشريع
وفهمنا الأصل الأصيل
أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة
وأن إغلاق الطريق على أعداء الإسلام حتى لاينفذوا من خلال أقوالنا وأسلوبنا الدعوى أهم من قضايا كثيرة يثيرها الدعاة بشدة ومنها قضية النقاب
هذه مقدمة لابد منها
ثم اتبعها
بإذن الله بالدراسة الأصولية التى تقول ببطلان القول القائل بفرضية النقاب
وأن القائل بفرضيته خالف كثيرا من الأصول الشرعية
وخالف الجمهور من الأكابروتشدد فيما لم يتشدد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وتعليقا سريعا على الحوار الدائر فى أمر فرضية النقاب
ولى عودة له فى رسالة جامعة وافية بإذن الله
أقول
جمهور أهل السنة على فرضية الحجاب فقط
وأنه يجوز للمرأةالمسلمة كشف الوجه والكفين
ننقل بعض أقوال أهل العلم لبيان أن ذلك هو مذهب الجمهور وأنه المذهب الصحيح وأن القائل بفرضية النقاب خالف أصول النظر فى أصل ا لمسألة
لنرى أقوال الجمهور من العلماء
فى تفسير مجاهد 2/440
4/أنا عبد الرحمن قال نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا عقبة الأصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة أم المؤمنين إلا ما ظهر منها قالت ما ظهر منها الوجه والكفين...انتهى
فى تفسير الإمام ابن كثير3/378
وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : وجهها وكفيها والخاتم وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك
حتى قال ابن كثير
ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ماظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه حدثنا يعقوب بن كعب الانطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا : حدثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر [ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أي يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه ].....انتهى
ثم بيان أن الخمار المقصود فى الآية هوغط اء الرأس وليس النقاب
قال الإمام ابن كثير فى تفسيره
وقوله تعالى : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية فإنهن لم يكن يفعلن ذلك بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن كما قا
أبو أحمد السكندرى(عبدالله زايد
منذ