التعليق على نونية ابن القيم - ذكر جملة من معتقد الجهمية والرد عليها

منذ 2001-08-29
يشرح الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه قول الناظم ابن القيم رحمه الله :

حكم المحبة ثابت الأركان ***** ما للصدود بفسح ذاك يدان

إني وقاضي الحس نفذ حكمها ***** فلذا أقر بذلك الخصمان

وأتت شهود الوصل تشهد أنه ***** حقا جرى في مجلس الإحسان

فتأكد الحكم العزيز فلم تجد ***** فسخ الوشاة إليه من سلطان

ولأجل ذا حكم العذول تداعت ال ***** أركان منه فخر للأذقان

وأتى الوشاة فصادفوا الحكم الذي ***** حكموا به متيقن البطلان

ما صادف الحكم المحل ولا هواس ***** توفي الشروط فصار ذا بطلان

فلذاك قاضي الحسن أثبت محضرا ***** بفساد حكم إلهجر والسلوان

وحكى لك الحكم المحال ونقضه ***** فأسمع إذا يا من له إذان

حكم الوشاة بغير ما برهان ***** إن المحبة والصدود لدان

والله ما هذا بحكم مقسط ***** أين الغرام وصد ذي هجران

شتان بين الحالتين فإن ترد ***** جمعا فما الضدان يجتمعان

يا والها هانت عليه نفسه ***** إذ باعها غبنا بكل هوان

أتبيع من تهواه نفسك طائعا ***** بالصد والتعذيب وإلهجران

أجهلت أوصاف المبيع وقدرة ***** أن كنت ذا جهل بذي الأثمان

واها لقلب لا يفارق طيره ال ***** أغصان قائمة على الكثبان

ويظل يسجع فوقها ولغيره ***** منها الثمار وكل قطف دان

ويبيت يبكي والمواصل ضاحك ***** ويظل يشكو وهو ذو هجران

هذا ولو أن الجمال معلق ***** بالنجم هم إليه بالطيران

لله زائرة بالليل لم تخف ***** عسس الأمير ومرصد السجان

قطعت بلاد الشام ثم تيممت ***** من أرض طيبة مطلع الأيمان

وأتت على وادي العقيق فجاوزت ***** ميقاته حلا بلا نكران

وأتت على وادي الأراك ولم يكن ***** قصدا لها فألا بأن ستراني

وأتت على عرفات ثم محسر ***** ومنى فكم نحرته من قربان

وأتت على الجمرات ثم تيممت ***** ذات الستور وربة الاركان

هذا وما طافت ولا استلمت ولا ***** رمت الجمار ولا سعت لقران

ورقت على أعلى الصفا فتيممت ***** دارا هنالك للمحب العاني

أترى الدليل أعارها أثوابه ***** والريح أعطتها من الخفقان

والله لو أن الدليل مكانها ***** ما كان ذلك منه في إمكان

هذا ولو سارت مسير الريح ما ***** وصلت به ليلا إلى نعمان

سارت وكان دليلها في سيرها ***** سعد السعود وليس بالدبران

وردت جفار الدمع وهي غزيرة ***** فلذاك ما احتاجت ورود الضان

وعلت على متن إلهوى وتزودت ***** ذكرى الحبيب ووصله المتدان

وعدت بزورتها فأوفت بالذي ***** وعدت وكان بملتقى الاجفان

لم يفجأ المشتاق إلا وهي دا ***** خلة الستور بغير ما استئذان

قالت وقد كشفت نقاب الحسن ما ***** بالصبر لي عن ان أراك يدان

فتحدثت عندي حديثا خلته ***** صدقا وقد كذبت به العينان

فعجبت منه وقلت من فرحي به ***** طمعا ولكن المنام دهاني

ان كنت كاذبة الذي حدثتني ***** فعليك إثم الكاذب الفتان

جهم بن صفوان وشيعته الالى ***** جحد واصفات الخالق الديان

بل عطلوا منه السموات العلى ***** والعرش أخلوه من الرحمن

ونفوا كلام الرب جل جلاله ***** وقضوا له بالخلق والحدثان

قالوا وليس لربنا سمع ولا ***** بصر ولا وجه فكيف يدان

وكذاك ليس لربنا من قدرة ***** وإرادة أو رحمة وحنان

كلا ولا وصف يقوم به سوى ***** ذات مجردة بغير معان

وحياته هي نفسه وكلامه ***** هو غيره فاعجب لذا البهتان

وكذاك قالوا مإله من خلقه ***** أحد يكون خليله النفسان

وخليله المحتاج عندهم وفي ***** ذا الوصف يدخل عابدو الاوثان

فالكل مفتقر إليه لذاته ***** في أسر قبضته ذليل عان

ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري ***** يوم ذبائح القربان

إذ قال إبراهيم ليس خليله ***** كلا ولا موسى الكليم الدان

شكر الضحية كل صاحب سنة ***** لله درك من أخي قربان


فصل
والعبد عندهم فليس بفاعل ***** بل فعله كتحرك الرجفان

وهبوب ريح أو تحرك نائم ***** وتحرك الأشجار للميلان

والله يصليه على ما ليس من ***** أفعإله حر الحميم الآن

لكن يعاقبه على أفعإله ***** فيه تعالى الله ذو الإحسان

والظلم عندهم المحال لذاته ***** أنى ينزه عنه ذو السلطان

ويكون مدحا ذلك التنزيه ما ***** هذا بمعقول لذي الأذهان


فصل
وكذاك قالوا مإله من حكمة ***** هي غاية للأمر والإتقان

ما ثم غير مشيئة قد رجحت ***** مثلا على مثل بلا رجحان

هذا وما تلك المشيئة وصفه ***** بل ذاته أو فعله قولان

وكلامه مذ كان غيرا كان مخ ***** لوقا له من جملة الأكوان

قالوا وإقرار العباد بأنه ***** خلاقهم هو منتهى الأيمان

والناس في الأيمان شيء واحد ***** كالمشط عند تماثل الاسنان

فاسأل أبا جهل وشيعته ومن ***** ولاهم من عابدي الاوثان

وسل اليهود وكل أقلف مشرك ***** عبد المسيح مقبل الصلبان

واسأل ثمود وعاد بل سل قبلهم ***** أعداء نوح أمة الطوفان

واسأل أبا الجن اللعين أتعرف ال ***** خلاق أم أصبحت ذا نكران

واسأل شرار الخلق أعني أمة ***** لوطية هم ناكحو الذكران

واسأل كذاك إمام كل معطل ***** فرعون مع قارون مع هامان

هل كان فيهم منكر للخالق الرب ***** العظيم مكون الا كوان

فليبشروا ما فيهم من كافر ***** هم عند جهم كاملو الأيمان


فصل

وقضى بأن الله كان معطلا ***** والفعل ممتنع بلا إمكان

ثم استحال وصار مقدورا له ***** من غير أمر قام بالديان

بل حإله سبحانه في ذاته ***** قبل الحدوث وبعده سيان

وقضى بأن النار لم تخلق ولا ***** جنات عدن بل هما عدمان

فإذا هما خلقا ليوم معادنا ***** فهما على الاوقات فانيتان

وتلطف العلاف من أتباعه ***** فأتى بضحكة جاهل مجان

قال الفناء يكون في الحركات لا ***** في الذات واعجبا لذا إلهذيان

أيصير أهل الخلد في جناتهم ***** وجحيمهم كحجارة البنيان

ما حال من قد كان يغشى أهله ***** عند انقضاء تحرك الحيوان

وكذاك ما حال الذي رفعت يدا ***** ه أكلة من صحفة وخوان

فتناهت الحركات قبل وصولها ***** للفم عند تفتح الاسنان

وكذاك ما حال الذي امتدت يد ***** منه إلى قنو من القنوان

فتناهت الحركات قبل الأخذ هل ***** يبقى كذلك سائر الازمان

تبا لهاتيك العقول فانها ***** والله قد مسخت على الابدان

تبا لمن أضحي بقدمها على ال ***** آثار والاخبار والقرآن

فصل
وقضى بأن الله يجعل خلقه ***** عدما ويقلبه وجودا ثان

العرش والكرسي والأرواح وال ***** أملاك والقمران

والأرض والبحر المحيط وسائر ال ***** أكوان من عرض ومن جثمان

كل سيفنيه الفناء المحض لا ***** يبقى له أثر كظل فان

ويعيد ذا المعدوم أيضا ثانيا ***** محض الوجود إعادة بزمان

هذا المعاد وذلك المبدا الذي ***** جهم وقد نسبوه للقرآن

هذا الذي قاد ابن سينا والالى ***** قالوا مقالته إلى الكفران

لم تقبل الأذهان ذا وتوهموا ***** أن الرسول عناه بالأيمان

هذا كتاب الله أنى قال ذا ***** أو عبدة المبعوث بالبرهان

او صحبه من بعده أو تابع ***** لهم على الأيمان والإحسان

بل صرح الوحي المبين بأنه ***** حقا مغير هذه الأكوان

فيبدل الله السماوات العلى ***** والارض ايضا ذات تبديلان

وهما كتبديل الجلود لساكني النيران ***** عند النضج من نيران

وكذاك يقبض أرضه وسماءه ***** بيديه ما العدمان مقبوضان

وتحدث الأرض التي كنا بها ***** أخبارها في الحشر للرحمن

وتظل تشهد وهي عدل بالذي ***** من فوقها قد أحدث الثقلان

أفيشهد العدم الذي هو كاسمه ***** لا شيء هذا ليس في الامكان

لكن تسوى ثم تبسط ثم تسهد ***** ثم تبدل وهي ذات كيان

وتمد ايضا مثل مد أديمنا ***** من غير أودية ولا كثبان

وتقيء يوم العرض من أكبادها ***** كالاسطوان نفائس الاثمان

كل يراه بعينه وعيانه ***** ما لامرىء بالأخذ منه يدان

وكذا الجبال تفت فتا محكما ***** فتعود مثل الرمل ذي الكثبان

وتكون كالعهن الذي ألوانه ***** وصباغة من سائر الالوان

وتبس بسا مثل ذاك فتنثني ***** مثل إلهباء لناظر الانسان

وكذا البحار فإنها مسجورة ***** قد فجرت تفجير ذي سلطان

وكذلك القمران يأذن ربنا ***** لهما فيجتمعان يلتقيان

هذي مكورة وهذا خاسف ***** وكلاهما في النار مطروحان

وكواكب الافلاك تنثر كلها ***** كلآلىء نثرت على ميدان

وكذا السماء تشق شقا ظاهرا ***** وتمور ايضا أيما موران

وتصير بعد الانشقاق كمثل هـ ***** ذا المهل او تك وردة كدهان



والعرش والكرسي لا يفنيهما ***** أيضا وإنهما لمخلوقان

والحور لا تفنى كذلك جنة ال ***** مأوى وما فيها من الولدان

ولاجل هذا قال جهم إنها ***** عدم ولم تخلق إلى ذا الآن

والانبياء فإنهم تحت الثرى ***** أجسامهم حفظت من الديدان

ما للبلى بلحومهم وجسومهم ***** أبدا وهم تحت التراب يدان

وكذاك عجب الظهر لا يبلى بلى ***** منه تركب خلقة الانسان

وكذلك الأرواح لا تبلى كما ***** تبلى الجسوم ولا بلى اللحمان

ولاجل ذلك لم يقر الجهم بال ***** أرواح خارجة عن الابدان

لكنها من بعض أعراض بها ***** قامت وذا في غاية البطلان

فالشأن للارواح بعد فراقها ***** أبدانها والله أعظم شان

إما عذاب أو نعيم دائم ***** قد نعمت بالروح والريحان

وتصير طيرا سارحا مع شكلها ***** تجني الثمار بجنة الحيوان

وتظل واردة لأنهار بها ***** حتى تعود لذلك الجثمان

لكن أرواح الذين استشهدوا ***** في جوف طير أخضر ريان

فلهم بذاك مزية في عيشهم ***** ونعيمهم بالروح والابدان

بذلوا الجسوم لربهم فأعاضهم ***** أجسام تلك الطير بالإحسان

ولها قناديل إليها تنتهي ***** مأوى لها كمساكن الانسان

فالروح بعد الموت أكمل حالة ***** منها بهذي الدار في جثمان

وعذاب أشقاها اشد من الذي ***** قد عاينت أبصارها بعيان



والقائلون بأنها عرض أبوا ***** ذا كله تبا لذي نكران

وإذا أراد الله اخراج الورى ***** بعد الممات إلى المعاد الثاني

ألقى على الاض التي هم تحتها ***** والله مقتدر وذو سلطان

مطرا غليظا أبيضا متتابعا ***** عشرا وعشرا بعدها عشران

فتظل تنبت منه أجسام الورى ***** ولحومهم كمنابت الريحان

حتى إذا ما الأم حان ولادها ***** وتمخضت فنفاسها متدان

أوحى لها رب السما فتشققت ***** فبدا الجنين كأكمل الشبان

وتخلت الأم الولود فأخرجت ***** أثقالها انثى ومن ذكران

والله ينشئ خلقه في نشأة ***** اخرى كما قد قال في القرآن

هذا الذي جاء الكتاب وسنة إله ***** ادي به فاحرص على الأيمان

ما قال إن الله يعدم خلقه ***** طرا كقول الجاهل الحيران

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 33
  • -1
  • 26,241
الدرس السابق
المقدمة
الدرس التالي
عقد مجالس للتحكيم مع الجهمية

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً