لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات ...

خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الأموات". الحمد لله الكريم ذو الفضل والإحسان، والصلاة والسلام على أجود الناس وأبرهم. أما بعد: الصدقة تحتاج إلى فقه المعرفة بالله تعالى وإلى الترغيب في إعطائها بسخاء وجود، فلقد رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً وبيّن لهم فضل عملهم هذا فقال الله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. وقال - تعالى -: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: 245]. والإنفاق في سبيل الله من أفضل الأعمال وأزكاها، فهو يزكي النفس ويطهّرها من رذائل الأنانية المقيتة والأثرة القبيحة، والشح الذميم، وبهذه التزكية يرتقي الإنسان في معارج الكمال والعطاء ولذلك كان العطاء من صفات الله عز وجل. وهو أيضاً تطهير للنفس من العبودية لغير الله تعالى ، وارتقاء لها واستعلاء ونجاة من البخل الذي يهبط بالعبد إلى مدارك العبودية للدينار والدرهم وصدق الله العظيم إذ يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]. والإنفاق في سبيل الله هو في الحقيقة حفظ للمال وزيادة له وليس نقصاناً له واتلافاً كما قد يظن البعض لقوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] ولقوله: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً» [متفق عليه]. والإنفاق في سبيل الله جهاد عظيم قدمه الله على الجهاد النفسي في القرآن ما يقارب 9 مرات وذلك لأهميته العظمى. والمال لا تظهر فائدته إلا بالإنفاق في المصالح النافعة، أما كنزه وجمعه وعدّه فهو قتل له، وحرمان لثمراته من أن تظهر ولخيراته من أن تزهر، ولطاقاته من أن تتحرك وتنتج، والممسكون معطلون ومتلفون، ومحرومون وجمّاعون لغيرهم. روى البخاري ومسلم عن أبي ذر قال: انتهيت إلى النبي وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: «هم الأخسرون ورب الكعبة»، فقلت: فداك أبي وأمي من هم؟ قال: «هم الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم». ورأى الأحنف بن قيس في يد رجل درهماً، فقال: "لمن هذا؟" قال: لي، قال: "ليس هو لك حتى تخرجه في أجر أو اكتساب شكر"، وتمثل بقول الشاعر: أنت للمال إذا أمسكته *** وإذا أنفقته فالمال لك يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى في شأن الصدقة: "إن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء حتى ولو كانت من فاجر أو ظالم بل من كافر، فإن الله يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء" أهـ. فينبغي للمسلم أن ينفق ويتصدق ولا يمسك عن الإنفاق والبذل، وليحرص على أن يكون عمله هذا خالصاً لوجه الله تعالى لا رياءً ولا سمعةً أو طمعاً بمنافع دنيوية من سمعة وثناء، وأن لا يُتبع نفقته بالمن والأذى لمن أعطاه وتصدق عليه. لأن الإنسان لا ينفق لأحد إنما ينفق لنفسه هو، فمن يبخل فإنما يبخل على نفسه وإن أنفق فعلى نفسه {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء} [محمد:38] ولا يمسك الإنسان ويبخل خشية الفقر فإن الله تعالى قد تكفل لمن أنفق في سبيله بالخلف. يقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ويقول: «ما نقصت صدقة من مال. بل تزده. بل تزده»[رواه مسلم]. أنفق ولا تخش إقلالاً فقد قسمت *** على العباد من الرحمن أرزاق لا ينفع البخل مع دنياً مولية *** ولا يضر مع الإقبال إنفاق إن الكثيرين من الناس اليوم عندهم المال الضائع والتالف أحب إليهم من المال الباقي، ومال وارثهم أحب إليهم من أموال أنفسهم وذلك لأن ما يبذلونه على شهواتهم إسرافاً وتبذيراً مال تالف وهم يحبون ذلك، وما ينفقونه في سبيل الله مال باق ونام، إذ ينميه الله حتى تكون الحبة كالجبل، وهم يكرهون ذلك ولا تندفع نفوسهم إلى ادخاره عند الله وتخليده في خزائن رحمته وفضله، والذين يبخلون عن الإنفاق في وجوه الخير إنما يكنزون أموالهم لوارثهم وهم يحبون ذلك، فمال وارثهم أحب إليهم من مالهم لأن ما يجمعونه بالكد والجهد سيأخذه الوارث بالراحة التامة من غير تعب ولا جهد، وهذا ما بينه النبي لأصحابه فقال لهم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله ما منّا من أحد إلا ماله أحب إليه، قال: «فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر». نماذج وقدوات في البذل والعطاء لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في البذل والإنفاق، ولا غرابة في ذلك، فقد كان قدوتهم أجود الناس وأبرهم عليه الصلاة والسلام، فهو القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الجود وحب العطاء فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان إذ كان فيه كالريح المرسلة وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ثقة بعظيم فضل الله وإيماناً بأنه هو الرازق ذو الفضل العظيم. روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان لي مثل أحد ذهباً لسرّني أن لا يمر عليّ ثلاث ليال وعندي شيء منه إلا شيء أرصده لدين». وروى البخاري ومسلم أيضاً عن جابر قال: "ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا". وعلى هذا الدرب سار أصحابه من بعده وكذلك السلف الصالح من التابعين ومن بعدهم فقد أنفق أبو بكر الصديق ماله كله في إحدى المناسبات، وأنفق عمر نصف ماله وجهّز عثمان جيش العسرة بأكمله. وباع طلحة بن عبيد الله أرضاً له إلى عثمان بن عفان بسبعمائة ألف درهم فحملها إليه، فلما جاء بها قال: "إن رجلاً تبيت هذه عنده في بيته فلا يدري ما يطرقه من أمر الله لضرير بالله"، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة توزعها حتى أسحر وما عنده منها درهم. وكان دخل الليث بن سعد في كل سنة ثمانين ألف دينار، وما أوجب الله عليه زكاة درهم قط، وذلك لأنه كان ينفقها قبل أن يحول عليها الحول. وأتت ابن عمر اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها. وكان مورق العجلي يتجر فيصيب المال فيفرقه على الفقراء والمساكين، وكان يقول: "لولاهم ما أتجرت". وقضى ابن شبرمة حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجاء يكافئه بهدية، فقال: "ما هذا؟"، قال: لما أسديته لي من معروف. فقال: "خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الأموات". أما حكيم بن حزام فقد كان يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجاً ليقضي حاجته حيث يقول: "ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها". دعوة للإنفاق أخي الحبيب: بعد كل ما جاء في فضل الصدقة وما كان عليه السلف الصالح من حبهم للبذل والإنفاق في سبيل الله هل سيعطينا ذلك دافعاً للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم في حب الإنفاق والبذل في أوجه الخير المتعددة. إننا الآن في رغد عيش ونعم عظيمة لا تعد ولا تحصى، فإذا لم ننفق الآن ونتوسع في ذلك ونحن على هذا الحال الطيبة ولله الحمد فمتى ننفق؟! أإذا حل الفقر بساحتنا؟! أم إذا نزل الموت بأرواحنا؟! فأنفق أخي الكريم في سبيل الله ولا تتردد واحذر من وساوس الشيطان {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] أنفق ولن تندم على الإنفاق أبداً بإذن الله فلربما درهم ينادي يوم القيامة: أنا صدقة فلان، والمؤمن تحت ظل صدقته في ذلك اليوم العظيم، يوم لا ظل إلا ظل العرش وظل الصدقة. ولو راودتك نفسك في الإنفاق فانظر لنفسك عند شراء الطعام والشراب واللباس ولعب الأطفال، بل عند شراء الصحف والمجلات؟ كم تنفق على نفسك وشهواتك؟ بل كم تنفق على شراء الكماليات!! وكم تنفق في سبيل الله لنصرة دينك ومواسات إخوانك المسلمين المحتاجين؟!! طريق ميسرة جداً للإنفاق قد يرغب كثير من الناس التبرع للأعمال الخيرية بمبلغ " ما " ويكون هذا المبلغ يسير فيتحرج من إيداعه في البنك أو إيصاله للجهة الخيرية فيترك التبرع لهذا السبب، ومنعاً لهذا الحرج ولتشجيع الجميع على المشاركة والمساهمة بأي مبلغ كان، فقد قامت المؤسسات والجهات الخيرية المصرح لها في هذه البلاد حفظها الله وكذلك مكاتب الدعوة والإرشاد بوضع صناديق لجمع التبرعات في أماكن كثيرة كالبنوك والمحلات التجارية والمرافق العامة وغيرها؛ وذلك تسهيلاً للراغبين في المساهمة بمبالغ يسيرة دون أي حرج أو مشقة، فلا تتردد أخي الحبيب بارك الله فيك في وضع ما تجود به نفسك في أحد هذه الصناديق كلما سنحت لك الفرصة ولو كان ريالاً واحداً. المهم أن تشارك وتساهم في خدمة الإسلام والمسلمين ولا تكون سلبياً، وعوّد نفسك على ذلك بين كل فترة وأخرى ولا تحتقرن أي مبلغ حتى ولو كان يسيراً جداً فإن فيه خير وبركة، وما قامت كثير من المشاريع الخيرية بعد توفيق الله إلا من الريال والخمسة والعشرة ريالات التي تدفعها أنت وأنا والآخرين، لأن السيول الجارفة أصلها قطرات متناثرة لكن قطرة مع قطرة تشكل سيلاً عارماً، وهكذا الأموال أيضاً، واعلم أنك غير معذور أمام الله إن كنت قادراً على الإنفاق لنصرة دينك وإخوانك المسلمين ومساعدتهم ثم تبخل ولا تنفق. وأخيراً: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:38]. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محمد سيد ...المزيد

سلسلة معاملات محرمة (2) التعدي على حقوق الأخرين: [البيع على بيع أخيه - الشراء على شرائه - الخطبة ...

سلسلة معاملات محرمة
(2) التعدي على حقوق الأخرين: [البيع على بيع أخيه - الشراء على شرائه - الخطبة على خطبته]
إن فضل الله عز وجل على عباده أن أرسل إليهم رسولاً كريماً بشريعة محكمة.
جاءت لتأصل قواعد الأخوة الإيمانية بين العباد وتقويها، وتضرب لنا أروع الأمثلة في التأليف بين قلوب الخلق أجمعين مسلمين وغير مسلمين.
فجاءت الشريعة بالنهي والتحريم لكل ما يؤذي أخاه المسلم من أخيه أو يضره، ولكل ما يُسبِّب زرْع الحقد في قلبه عليه، لهذا قال صلى الله عليه وسلم وهو يؤسس قواعد الأخوة الإيمانية بين المسلم وأخيه [الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ] (مسلم 2564).
أصبح التعدي على حقوق الأخرين في زماننا هذا أمراً في غاية الخطورة، لكثرة انتشاره بين الناس، ولقلة من يعارضه وينكره.
والتعدي على حقوق الأخرين في مجتمعات المسلمين له صور كثيرة، ولكني أقتصر على بعض الصور المتواجدة بين الناس بكثرة، وهي تثير البغضاء والشحناء بين المسلمين، وربما وصل الأمر فيها إلى المشاجرات.
وكل ما أوجب العداوة والبغضاء بين المسلمين فهو محرم، لهذا حكم الدين على هذه المعاملات بالحرمة، فمن فعلها عامداً وهو يعلم نَهْيَ الشرع عنها فقد ارتكب حراماً.
ومن هذه المعاملات:
السَومُ على سوم الأخر، والبيع على بيعه، والشراءُ على
شرائه، والخِطْبِةُ على خِطْبَتِهِ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ] (مسلم 1408).
وعن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال [نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الخَاطِبُ] (البخاري 5142).
أولاً: السَوم على سوم أخيه:
السوم: (ما نسميه بالعامية الفصال بين البائع والمشتري) والسوم يكون قبل إتمام البيع أو الشراء، وهو أن يتساوم المتبايعان في السلعة ويتقارب الانعقاد فيجيء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة ويخرجها من يد المشتري الأول بزيادة على ما استقر الأمر عليه بين المتساومين ورضيا به قبل الانعقاد فذلك ممنوع عند المقاربة على عقد البيعة، لما فيه من الإفساد. ولكنه مباح في أول العرض والمساومة. (شرح مسلم محمد فؤاد عبد الباقي حديث رقم 1408(.
والسوم حرام بعد استقرار الثمن؛ لما يؤدي إليه من فشوِّ
العداوة بين المسلمين، وقطع أرزاق الذين لا يقدرون
على الشراء بالغلاء، والإسلام حريص على توثيق أواصر الإخاء والمحبة بين المسلمين.
ثانياً: البيع على بيع أخيه:
وهو من الصور التي حرمها الشرع الحنيف لما فيه من العداوة والبغضاء التي تحدث بين الناس.
وصورته: أن يكون البائع والمشتري اتفقا على بيعة، فيأتي ثالث للمشتري الذي اشترى السلعة ولكنه لم ينقلها من عند البائع إليه، أو كان في مدة خيار الشرط التي بينه وبين البائع، ويقول له افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص منه، أو أجود منه بثمنه، فهذا حرام، لما سبق من نهي النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن هناك صورة قد تكون جائزة مستثناة من النهي عن البيع على بيع الأخر وهي إذا كان البائع غبن المشتري بالفعل (غبنه: أي باعه السلعة بسعر أكبر من سعرها في السوق بكثير) فهنا يحق لك أن تنصحه بترجيع السلعة
ثم بعد ذلك تبيعه أو يشتري من غيرك.
ثالثاً: الشراء على شراء أخيه: وذلك أيضاً منهي عنه لقول النبي اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ] (مسلم 1414).
وصورته عكس صورة البيع: أن يكون البائع والمشتري اتفقا على بيعة، فيأتي ثالث للبائع الذي باع السلعة ولكن المشتري في مدة خيار المجلس التي بينه وبين البائع، ويقول له افسخ هذا البيع وأنا أشتريها منك بسعر أعلى من سعره الذي اشترى به، فهذا حرام، لما سبق من نهي النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه الصور نهى الشرع عن التعامل بها لما فيها من التنازع والشقاق والكراهية التي تكون بين الناس، ولما في ذلك من تصعيب الأمور على أصحاب الحاجات، وشرع الله عز وجل ما جاء إلا لييسر على الناس وينزع الحقد والكراهية من صدورهم ويؤلف بين قلوبهم، لذلك ستجد أن الله عز وجل حرم كل ما يؤدي إلى تفرقة المسلمين.

الخطبة الثانية، الحمد لله وبعد:
ويقاس على البيع والشراء أمورٌ، منها:
أ- الإجارة على إجارة أخيه، فلا يَصِح أن تقول للمستأجر بعد استئجاره من غيرك عندي لك بيت أو محل بأقل من هذه الأجرة، أو تَعيب ما استأجره، فتؤذيه إذ جعلته غير صالح، أو تؤذي المالك إن أراد المستأجر محاولة الرد وبُطلان العقد.
ب- ومنها، أن تعطي العمالَ أجرة أكثر ممن يشتغلون بها عند غيرك وهم مستمرون معه، فربما أفسدت عليه عملَه، خاصة إن كان قد تَعِب في التماسهم واجتلابهم.
فكل هذه الأمور مما حرمها الله تعالى على المسلمين، لأجل أن يحفظ لكل واحد حقه على غيره من إخوانه.
مسألة: هل النهي في كل ما مضى لا يتعدى إلى غير المسلمين؟
قال جمهور العلماء‏: ‏لا فرق في ذلك بين المسلم وغير المسلم الذي يعيش بين المسلمين، لأن العلة من النهي علة خارجة عن صحة العقد وفساده، وإنما علة النهي لأجل التشاحن والبغضاء الذي سيكون بين الناس، وهذا يوجد بين المسلمين وغيرهم، وأما ذكر الأخ في لفظ الحديث فقد خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له‏. ‏
رابعاً: خِطبَةُ الرجل على خطبة أخيه:
وخطبة الرجل على خطبة أخيه من المنهيات التي نهى عنها الشرع، لكن هذا المفهوم قد يحتاج إلى بعض التعديل عند بعض الناس لأن البعض قد يخطب في التوقيت غير الصحيح، والبعض الأخر قد يرجع في توقيت يصلح له فيه أن يتقدم للخطبة.
لهذا سنبين بعون الله ما الذي يجوز في الخطبة على خطبة الغير وما الذي لا يجوز.
صورة الخطبة على خطبة الغير: أن يتقدم فلان من
الناس لخطبة ابنة فلان، ويتقدم أخر لنفس البنت في نفس التوقيت الذي تقدم فيه غيره وهو يعلم بهذا.
ولهذا الوضع حالتان:
الأولى: أن يتقدم إلى تلك الفتاة بعد أن خطبها غيره ووافقوا عليه، ووعدوه بالزواج، وهذا الصورة محرمة، وهي المقصودة في نهي النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث [وَلَا يَخْطُبْ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ] (مسلم 1412).
لكن لو أن هذا الخاطب تركها بإرادته، فحينئذ لك أن تتقدم لخطبتها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم [وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ] (مسلم 1414).
الثانية: أن يتقدم إلى تلك الفتاة بعد أن خطبها غيره، لكنهم لم يعطوه وعداً بالزواج، ولا اتفقوا معه على أي تفاصيل، فهذه الصورة جائزة ولا حرمة فيها، لأن الأول لم يدخل تحت مسمى خاطب، بل هو صاحب عرضٍ فقط، وربما قبلوه وربما رفضوه.
والدليل على ذلك: أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها طلاقاً بائناً، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد عن ابن أم مكتوم، وقال لها إذا حلَلَتِ فآذنيني، قَالَتْ [فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ، فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَكَرِهْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ، فَنَكَحْتُهُ، فَجَعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا، وَاغْتَبَطْتُ بِهِ] (مسلم 1480).
والشاهد من الحديث أن رجلين تقدما لخطبتها في وقت واحد، ولم تخبر برضاها بواحد منهما، لأنها جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولم ينكر ذلك عليها، ولو أخبرته برضاها بواحد منهما لم يشر عليها بثالث وهو أسامة، فدل على أن التقدم لخطبة فتاة تقدم لها أحدٌ قبله ولم يتم قبولُه جائز ولا شيء فيه.
...المزيد

اللهم انت ربى لا إله إلا انت خلقتنى و انا عبدك و انا على عهدك و وعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما ...

اللهم انت ربى لا إله إلا انت خلقتنى و انا عبدك و انا على عهدك و وعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك على و أبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا انت 🙏
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
24 محرم 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً