صدقوا فاهتدوا – عندما جاء السحرة فرعون ظنوا أنهم سيواجهون ساحرا مثلهم، وهم أعلم الناس بالسحر؛ فكان ...

صدقوا فاهتدوا
– عندما جاء السحرة فرعون ظنوا أنهم سيواجهون ساحرا مثلهم، وهم أعلم الناس بالسحر؛ فكان هدفهم نيل الأجر لضمانهم الانتصار.

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}، {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}، يا لها من صفقة رابحة وغنيمة باردة، مالا وجاها عند فرعون مصر، دخلوا المبارزة بثقة، وأعطوا موسى الخيار، أن يبدأ أو يبدؤوا فكانت البداية لهم، وأتوا {بسحر عظيم}، حتى إن موسى -عليه السلام- أصابه من الخوف ما أصابه؛ فطمأنه الله -عز وجل- وأمره أن يلقي عصاه، هنا ظهرت الحقيقة: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ فكان السحرة أول من آمن بموسى -عليه السلام.

– وما تفسيرك لكونهم أول من آمن بموسى؟

– لقد كانوا صادقين مع أنفسهم، علموا أن الذي جاء به موسى ليس بسحر، وإنما آية من عند الله؛ لأنهم أهل (صنعة) السحر وأربابها، بل أكثر السحرة إتقانا للسحر؛ فلما رأوا ما أتى به موسى أيقنوا أنه رسول من عند الله وليس بساحر؛ فسجدوا وآمنوا برب هارون وموسى.

وهكذا كل إنسان يريد أن يصل إلى الحق، يجب أن يكون صادقا مع نفسه، إذا ظهر له الحق اتبعه، أما من يتبع سبيل المراوغة والتحايل والتلون، فهذا لن يصل إلى الحق، ولو نزلت عليه آية من السماء مباشرة.

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} (الحجر:14-15).

كنت وصاحبي نتعشى في آخر ليلة من رمضان بعد أن ثبتت رؤية هلال شوال، وقد انتهينا من توزيع زكاة الفطر على أهلها.

– وماذا عن كفار قريش، وقد بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟

– استمع إلى كلام عتبة بن ربيعة وقد قرأ عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم – بدايات سورة فصلت: {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} (فصلت:1-7)، وأكمل النبي –صلى الله عليه وسلم – قراءته، حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}؛ فأصاب عتبه الفزع، ووضع يده على فم رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وهو يقول: أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم، وقام من فوره يجر ثوبه مهرولا إلى قومه، حتى إذا بلغهم قالوا: «نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به»، وعندما أخبرهم عن الذي سمعه، قال: «لقد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه؛ فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به».

فقد عرف سادة قريش أن ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم – حق من عند الله، ولكن لم يقبلوا به، لكبر في قلوبهم، وعناد في أخلاقهم، وهذه من موانع الاهتداء إلى الحق، وإن كان المرء يعرفه.

وهذا ما يحصل مع كثير من سادة الناس وكبرائهم؛ فهذا رأس المنافقين عبدالله بن أُبي بن سلول، آثر النفاق على الإيمان؛ لأنه فقد الرئاسة التي كان يتهيأ لها قبل قدوم الرسول –صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وهكذا كل من تملك شيئا من الدنيا قلبه، فإنه يرفض الحق حتى لا يفقد ما تملكه من الدنيا؛ ولذلك عندما زالت الدنيا عن فرعون وأيقن بالهلاك أقر بالحق: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَ هَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (يونس:90).

– علق صاحبي: من أكثر القصص التي تأثرت بها في الصدق للبحث عن الحق، قصة إسلام سلمان الفارسي.

– صدقت، نعم قصة إسلام سلمان عجيبة، رجل يعيش في بيت عز ورفاه، ثم يخرج من ماله وعزه يبحث عن حق رآه عند النصارى أولا، ويباع عبدا حتى يصل إلى المدينة، ثم يسلم وهو عبد لرجل يهودي، ثم يكاتب ويصبح حرا، كل ذلك في سبيل الوصول إلى الحق، ولذلك هداه الله ووفقه لصحبة رسول الله –صلى الله عليه وسلم -؛ ليكون في الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء في عليين.

– إنني على يقين إذا كان الإنسان صادقا مخلصا في طلب الهداية من الله، وسعى في ذلك وانتفت منه الموانع من كبر في القلب، أو عناد في الأخلاق، أو حب للشهوات؛ فإن الله سيشرح صدره للإسلام الصحيح والصراط المستقيم والحق المبين، أما إذا تخلفت إحدى هذه الشروط؛ فلن يصل إلى النجاة وإن كان يحسب أنه من المهتدين «فكم من مريد للخير لم يدركه».
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
6 محرم 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً