رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (10)- الأصل الأخلاقي (1)

والحديث عن الأصل الأخلاقي في كل ثقافة يطول ويتشعب، ولكن من المهم أن تعلم أنه ليس قواعد عقلية ينفرد العقل بتقريرها ابتداءً من عند نفسه، لأن القواعد العقلية مهما بلغت من القوة والسيطرة لا تستطيع أن تقوم بهذا العبء، لسبب لا يمكن إغفاله في مثل هذه القضية، وهذا السبب هو أن الأمر كله متعلق بالإنسان نفسه. وكل إنسان صندوق مغلق، فيه من الطبائع والغرائز والأهواء المتنازعة بين الخير والشر، وفيه أيضًا من القوة والضعف، مقادير مختلفة لا تكاد تضبط أحوالها وآثارها، ولا يكاد يضبط تقلبها تقلبًا يفضي إلى حيرة في شأن صاحبها. فالظابط في هذا الموج المتلاطم المتصادم في الصندوق المغلق لا بد أن يكون كامنًا في سريرة الإنسان نفسه. فالقواعد العقلية المجردة لا تكاد تقوم بهذا العبء كله، بل العقائد وحدها هي صاحبة هذا السلطان على الإنسان. ولذلك قلت إن هذا الظابط الرقيب يأتي من قبل الثاقفة ورأس الثقافة الدين. 

الفوائد (23)- تفريغ القلب مما يضاد الإيمان (1)

قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدّه. وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئًا بالباطل اعتقادًا ومحبّة، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبّته موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (64)- الثقافة واللغة غير قابلين للفصل

والثقافة في كل أمة وكل لغة هي حصيلة أبنائها المثقفين بقدر مشترك من أصول وفروع، كل مغموس في الدين المتلقى عند النشأة. فهو لذلك صاحب السلطان المطلق الخفي على اللغة وعلى النفس وعلى العقل جميعًا، سلطان لا ينكره إلا من لا يبالي بالتفكر في المنابع الأول التي تجعل الإنسان ناطقًا وعاقلًا ومبينًا عن نفسه، ومستبينًا عن غيره. فثقافة كل أمة مرآة جامعة في حيزها المحدود كل ما تشعث وتشتت وتباعج من ثقافة كل فرد من أبنائها على اختلاف مقاديرهم ومشاربهم ومذاهبهم ومداخلهم ومخارجهم في الحياة. وجوهر هذه المرآة هو اللغة ةالدين كما أسلفت، متداخلان تداخلًا غير قابل للفص البتة. 

الفوائد (14)- الفاتحة وما تضمنته (2)

فكمال الإنسان وسعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، وقد تضمنّتها سورة الفاتحة وانتظمتها أكمل انتظام. فإن قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2-4]، يتضمّن الأصل الأول وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله. والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي اسم (الله والرب والرحمن). فاسم (الله) متضمّن لصفات الألوهيّة، واسم (الرب) متضمّن لصفات الربوبية، واسم (الرحمن) متضمن لصفات الإحسان والجود والبر. ومعاني أسمائه تدور على هذا. وقوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، يتضمّن معرفة الطريق الموصلة إليه، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبّه ويرضاه، واستعانته على عبادته. 

الفوائد (7)- براهين المعاد في القرآن

براهين المعاد في القرآن مبنيّة على أصول ثلاثة، أحدها تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78-79]. والثاني تقرير كمال قدرته كقوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس:81]. الثالث: كمال حكمته كقوله {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان:38]. ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع، وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه، وأنه منزّه عمّا يقوله منكروه كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنواقص. ثم أخبر سبحانه أن المنكرين لذلك لمّا كذّبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق:5]. مختلط لا يحصلون منه على شئ.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (56)- الثقافة واللغة (1)

وبديهي، بل هو فوق البديهي، أن شرط الثقافة بقيوده الثلاثة، ممتنع على المستشرق كل الامتناع، بل هو أدخل في باب الاستحالة من اجتماع الماء والنار في إناء واحد! وذلك لأن الثقافة واللغة متداخلان تداخلًا لا انفكاك له، ويترافدان ويتلاقحان بأسلوب خفي غامض كثير المداخل والمخارج والمسارب، ويمتزجان امتزاجًا واحدًا غير قابل للفصل، في كل جيل من البشر وفي كل أمة من الأمم. ويبدأ هذا التداخل منذ ساعة يولد الوليد صارخًا، ثم يظل يرتضع لبان اللغة الأول ولبان الثقافة الأول، شيئًا فشيئًا عن أمه وأبيه حتى يعقل، فإذا عقل تولاه معهما المعلمون والمؤدبون حتى يستحصد، فإذا استحصد وصار مطيقًا إطاقة ما للبصر بمواضع الصواب والخطأ، قادرًا قدرة ما على فحص الأدلة واستنباطها فناظر وباحث وجادل، فعندئذ يكون قد وضع قدمه على أول الطريق، لا طريق المنهج وما قبل المنهج، بل الطريق المفضي إلى أن تكون له ثقافة يؤمن بها عن طريق العقل والقلب، ويعمل بها حتى تذوب في بنيانه، وينتمي إليها بعقله وقلبه وخياله انتماءً يحفظه ويحفظها من التفكك والانهيار. 

أسرار الصلاة (43)- فقيل له مسلم!

ولما كان العبد بين أمرين من ربه عز وجل:
أحدهما: حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهراً وباطناً، واقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه، أعني الحكم الكوني القدري، والثاني: فعل، يفعله العبد عبودية لربه، وهو موجب حكمه الديني الأمري.

وكلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه، ولهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري، ولحكمه الكوني القدري، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى، والشهوات، والمعاصي، ويقول: قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له: مسلم.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (12)- سراب مهلك

هذا الفساد لم يدخل على ثقافتنا دخولًا يوشك أن يطمس معالمها ويطفئ أنوارها، إلا بعد التصادم الصامت المخيف الذي حدث بيننا وبين الثقافة الأوربية الحاضرة. وإذا نحن أغفلنا هذا التاريخ ولم نتبينه تبينًا واضحًا، فكأننا أغفلنا القضية كلها، وأسقطناها أسقاطًا من عقولنا، وخالفنا سنة العقلاء المميزين في التبصر والتبين وترك التساهل عند مواطن الخطر، وصار كلامنا في الثقافة سدى كله وهدرًا، ثم عبثًا وثرثرة وتغريرًا، كما هو حادث الآن في حياتنا الأدبية هذه الفاسدة، وصار الأمر كله جنبًا عن طلب الحق، واستنامة لخداع الباطل وتسويله الخفي، واستدراجه إيانا إلى سراب مهلك. 

مقتبسات من كتاب رقائق القرآن

كثيرًا ما يرتبط في أذهاننا أن قوة النتائج مرتبطة بما يظهر من قوة الأسباب في مظاهرها وغطائها المادي، ولذلك تهفو النفوس لتعلق بالسبب. يقول ابن تيمية: "قوم ينظرون إلى جانب الأمر والنهي والعبادة والطاعة شاهدين لإلهية الرب سبحانه الذي أمروا أن يعبدوه، ولا ينظرون إلى جانب القضاء والقدر والتوكل والاستعانة، وهو حال كثير من المتفقهة والمتعبدة، فهم مع حسن قصدهم وتعظيمهم لحرمات الله ولشعائره يغلب عليهم الضعف والعجز والخذلان؛ لأن الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجؤ إليه والدعاء له؛ هي التي تقوي العبد وتيسر عليه الأمور، ولهذا قال بعض السلف: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله" (الفتاوى [32/10]).

مقتبسات من كتاب رقائق القرآن

 إن هذه المقولة: "أن النفاق كله حالة قلبية مستترة لا يمكن معرفتها مطلقًا" تقضي إلى تعطيل جملة من الأحكام القرآن في المنافقين. فإن الله أمرنا أن نجاهد المنافقين، كما قال {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ جَـٰهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة من الآية:73]، والأمر جاهد المنافقين فرع عن إمكانية معرفة بعضهم بأعيانهم. وكذلك نهانا الله عن الانقسام في الموقف من المنافقين، {فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوٓا۟ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا۟ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ} [النساء:88]. 

مقتبسات من كتاب رقائق القرآن

كنت أتصور سابقًا أن المنافق لا بد أن يعلم من نفسه أنه منافق، ويالسذاجة تصوري السابق! اكتشفت أن المنافق قد لا يعلم بذلك، بل قد يظن نفسه حين أطلق بعض العبارات إنما أطلقها مزاحًا! كنت أظن النفاق مؤامرة كبرى تتخذ بتخطيط شامل، ولم أتوقع بتاتًا أن النفاق قد يقع في القلب بتصرفات نعدها في موازيننا من هوامش الأمور! 

مقتبسات من كتاب رقائق القرآن

ويتصور كثير من الناس أنه بمجرد أن يذهب إلى الصلاة، حتى لو كان متأخرًا دومًا، ويذهب إليها متثاقلًا؛ فقد ارتفع عنه الوعيد والتهديد الذي جاء في القرآن، ولا يعلم هذا المغرور أن الله ذكر عن المنافقين أنهم يصلون، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقون يصلون، ولكن أنظر بالله عليك كيف وصف الله صلاة المنافقين {وَإِذَا قَامُوٓا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ} [النساء من الآية:142]

يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
12 صفر 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً