سورة الصف - تفسير السعدي
" سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم "
مجد الله ونزهه عن كل ما لا يليق به كل ما في السموات والأرض, وهو العزيز الذي لا يغلب, الحكيم في أقواله وأفعاله.
" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون "
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, لم تعدون وعدا, أو تقولون قولا ولا تفون به وهذا إنكار على من يخالف فعله قوله.
" كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "
عظم بغضا عند الله أن تقولوا بألسنتكم ما لا تفعلونه.
" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص "
إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان متراص محكم لا
ينفذ منه العدو.
وفي الآية بيان فضل الجهاد والمجاهدين.
لمحبة الله سبحانه لعباده المؤمنين إذا صفوا مواجهين لأعداء الله, يقاتلونهم في
سبيله.
" وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين "
واذكر لقومك- يا محمد- حين قال نبي الله موسى عليه السلام لقومه: لم
تؤذونني بالقول والفعل, وأنتم تعلمون أني رسول الله إليكم؟ فلما عدلوا عن الحق مع
علمهم به, وأصروا على ذلك؟ صرف الله قلوبهم عن قبول الهداية.
عقوبة لهم على زيغهم الذي اختاروه لأنفسهم.
والله لا يهدي القوم الخارجين عن الطاعة ومنهاج الحق.
" وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين "
واذكر- يا محمد لقومك- حين قال عيسى ابن مريم لقومه, إني رسول الله إليكم, مصدقا لما جاء قبلي من التوراة, وشاهدا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه " أحمد " , وهو محمد صلى الله عليه وسلم, وداعيا إلى التصديق به, فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات الواضحات, قالوا: هـذا الذي جئتنا به سحر بين.
" ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين "
ولا أحد أشد ظلما وعدونا ممن اختلق على الله الكذب, وجعل له شركاء في
عبادته, وهو يدعى إلى الدخول في الإسلام وإخلاص العبادة لله وحده.
والله لا يوفق الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والشرك, إلى ما فيه فلاحهم.
" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون "
يريد هؤلاء الظالمون أن يبطلوا الحق الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم- وهر القرآن بأقوالهم الكاذبة, بالله مظهر الحق بإتمام دينه ولو كره الجاحدون.
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
الله هو الذي أرسل رسوله محمدا بالقرآن ودين الإسلام.
ليعليه على كل الأديان المخالفة له, ولو كره المشركون ذلك.
" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم "
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, هل أرشدكم إلى تجارة عظيمة الأن تنجيكم من عذاب موجع؟
" تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "
تداومون على إيمانكم بالله ورسوله, تجاهدون
في سبيل الله.
لنصرة دينه بما تملكون من الأموال والأنفس, ذلك خير لكم من تجارة الدنيا, إن كنتم
تعلمون مضار الأشياء ومنافعها, فامتثلوا ذلك.
" يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم "
إن فعلتم أيها المؤمنون- ما أمركم الله به يستر عليكم ذنوبكم, ويدخلكم جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار, ومساكن طاهرة زكية في جنت إقامة دائمة لا تنقطع, ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده
" وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين "
ونعمة أخرى لكم- أيها المؤمنون- تحبونها هي نصر من الله يأتيكم, وفتح
عاجل يتم على أيديكم.
وبشر المؤمنين- يا محمد- بالنصر والفتح في الدنيا, والجنة في الآخرة
" يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين "
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, كونوا أنصارا لدين الله, كما
كان أصفياء عيسى أنصارا لدين الله حين قال لهم عيسى: من يتولى منكم نصري وإعانتي
فيما يقرب إلى الله؟ قالوا: نحن أنصار دين الله, فاهتدت طائفة من بني إسرائيل,
وضلت طائفة, فأيدنا الذين آمنوا بالله ورسوله, ونصرناهم على من عاداهم من فرق
النصارى, فأصبحوا ظاهرين عليهم.
وذلك ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم.